وقيل : إنّ المراد من الآية المباركة أنّ الناس أمة واحدة من حيث بعض الأمور الاجتماعية الفطرية فلا غنى لهم عن الاجتماع والتعاون ولا يمكن حصول الكمال إلا بهما بلا تحديد لذلك بوقت من الأوقات بل هو سنة جارية بعد أن كان الإنسان مدنيا بالطبع ، والاجتماع يؤدي إلى الاختلاف والتشاجر فلذلك بعث الله الأنبياء والمرسلين ، فيكون الفعل الناقص في الآية المباركة (كان) منسلخا عن الزمان ، ويدل على الثبوت.
ويشكل عليه : بأنّ ذلك خلاف ظاهر الآية الشريفة ، كما أنّ تفريع بعث الأنبياء والمرسلين على مجرّد كون الإنسان مدنيّا بالطبع وأنّ الاجتماع يوجب الاختلاف غير صحيح ، بل ذكرنا أنّ بعث الأنبياء (عليهمالسلام) لم يشترط فيه الاختلاف والتنازع بل هو لأجل بيان الصراط المستقيم ، وجلب السعادة ، وإتمام الحجة عليه والإنسان بفطرته يسعى إلى الكمال وجلب السعادة ولا يتحقق ذلك إلا بإنزال الكتب الإلهية والمعارف الربوبية ، كان هناك اختلاف أولا.
قوله تعالى : (فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ).
البعث يأتي بمعنى توجيه الشيء وإثارته ، ويختلف باختلاف المتعلّق وبعث الأنبياء إنّما هو لتوجيه الناس إلى المعارف الحقة وإثارة ما في عقولهم ، فعن عليّ (عليهالسلام) : «فبعث فيهم رسله وواتر إليهم أنبياءه ، ليستأدوهم ميثاق فطرته ، ويذكّروهم منسيّ نعمته ، ويحتجوا عليهم بالتبليغ ، ويثيروا لهم دفائن العقول» فجميع المعارف الربوبية كانت موجودة في الفطرة الإنسانية على نحو الاقتضاء والاستعداد ، ولكن احتجبت بالحجب الظلمانية ، وقد بعث الله الأنبياء لإزالة تلك الحجب. وهذا بحث نفيس من مباحث الروح ، وقد أيدته نظريات علمية حديثة في مطلق علوم الإنسان ، ويأتي في المحلّ المناسب الكلام فيه إن شاء الله تعالى.
والبشارة : هي الوعد برحمة الله ورضوانه وجنته.
والإنذار : هو الوعيد بعذاب الله تعالى وعقابه ، وهما من حكمة بعث