الأنبياء وإرسال الرسل ، وبهما يتصف ما يأتيه الأنبياء بصفة الثبوت ، والتمكين في نفوس أغلب أفراد الإنسان وإن كان بعض المؤمنين الصالحين يعبدون الله تعالى خالصا لوجهه الكريم من دون أن تتعلّق نفوسهم بغيره.
وتقديم البشارة على الإنذار لأجل أنّه تعالى سبقت رحمته غضبه فيكون ذلك بلحاظ الجاعل والمشرّع ، أو لأنّ تلك الوحدة التي كانت بين الناس في الاعتماد على الأمور الفطرية مما اقتضى تقديم البشارة على الإنذار في المقام.
وفي بعض الآيات الأخرى قدم سبحانه النذير على البشير ، قال تعالى : (إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) [الأعراف ـ ١٨٨] ، وقال تعالى : (أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ) [هود ـ ٢] ، ويكون ذلك بلحاظ حال العباد والمكلّفين حيث إنّ التوعيد أقوى لديهم على الحث على العمل من التبشير ، فمجموع الآيات الواردة في هذا السّياق تجمع بين ما هو مقتضى شأنه تعالى وما هو مقتضى حال العباد ، فيكون الاختلاف باختلاف حالات الأمم وسائر الجهات.
وإنّما عبرّ سبحانه وتعالى بالبعث دون الإرسال ، لأنّ حال الإنسان في هذا الدور من حياته على الأرض كانت حال خمود وخمول لا يقصد إلا البقاء والاستفادة من وسائل الحياة البسيطة كما ذكرنا فكان الأنسب أن يبعث الله النبيين ليثيروا لهم الدّفائن التي أودعها الله تعالى في عقل الإنسان وينبهه بما يمتاز به عن سائر مخلوقاته ، وما يؤول إليه أمره وينير له طرق كماله ومنازل سيره الاستكمالي ، وهذا هو وظيفة النبي الذي يبعثه الله تعالى إلى خلقه.
وقد ذكر سبحانه النبيين دون المرسلين ، لأنّ النبي أعم من الرّسول فيشمل من ليس له كتاب وشريعة مستقلة ، فإنّه بنفسه يكفي في الحجية والدّاعوية إلى الله تعالى.
قوله تعالى : (وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِ).
بيان لكون الأنبياء مبشرين ومنذرين أي : إنّ تبشيرهم وإنذارهم لا