ولكنّه باطل : لأنّ العقل لو كان بمجرده من دون أن تشوبه الأفكار المادية والإحساسات الناشئة من القوى الشهوية والغضبية ، لكان كافيا فإنّه نور إلهيّ. ولكن أنّى يكون مثل هذا. نعم ، هو بالقوة أما الذي موجود بالفعل فهو مشوب بالأفكار المادية والإحساسات الشهوية والغضبية ، فلا يمكن له النهوض مستقلا إلا بتأييد غيبي إلهي ، ويدلنا على ذلك الأقوام الجاهلية الهمجية والبربرية فإنّهم من أفراد الإنسان وفيهم العقل ، ومع ذلك هم أقرب إلى الحيوان في تصرفاتهم.
مع أنّه يمكن أن نقول بأنّ الاستكمالات إن كانت دنيوية فقط أمكن القول بالاكتفاء بالعقل ، وأما الاستكمالات المعنوية التي توجب سعادة الدّارين فهي لا بد أن تكون من المبادئ السّماوية ، والعقل بدونها لا يكفي.
فالكمال إما دنيوي أي للدنيا وفي الدنيا ، أو أخروي أي في الدنيا للآخرة ، أو هما معا أي لهما في الدنيا. ولو فرض الاكتفاء بالعقل فإنّما هو في القسم الأول فقط ، دون الأخيرين اللذين هما الكمال الحقيقي الذي يطلبه الإنسان بالفطرة ، وهو لا يمكن طلبه إلا بتأييد إلهي. وأما الأول فهو كمال جسماني ناقص.
ثم إنّ النبوة العامة التي جاءت لتكميل الإنسان وهدايته ، ليست على نحو العلية التامة بحيث يكون لها فعلية التأثير في الفرد والمجتمعات الإنسانية حتى يستشكل بأنّ النبوة ليست إلا فرضية غير قابلة الانطباق على الحقيقة ، لكثرة ما نرى من الشقاء والخلاف في أفراد الإنسان.
لأنّ النبوة كسائر ما يدعو الإنسان إلى الكمال هي من قبيل المقتضي إنّما تؤثر إذا رفعت الموانع والحجب ووظيفة النبوة إنّما هي إراءة الطريق وإنزال المعارف والأحكام التي لها تأثير مباشر في النفس الإنسانية وتثبت بالأعمال الصالحة والأفعال المرضية صفات وملكات راسخة تصدر عنها الأعمال وتورث مع الأجيال ، فهي كاشفة عن أخلاق الفرد وصفاته هذا بالنسبة إلى الفرد.