والسؤال وإن كان لمعرفة جنس ما ينفق ونوعه ، فإنّ (ما) إنّما تكون لمعرفة حقيقة الشيء ، سواء بالمعنى المنطقي أم بالمعنى العرفي الذي تنزّل عليه الخطابات القرآنية. ولكنّ الجواب عام يشمل جنس ما ينفق ، ومن ينفق عليه ، لأنّ الخير يتضمن جميع جوانب الموضوع وخصوصياته زمانا ومكانا وصفة. فإنّ الخير ما كان محبوبا عقلا وشرعا. والحرام والمشتبه لا يكونان كذلك ، فقد ورد في السنة الشريفة أنّ الإنفاق منهما يكون إثما وزورا على المنفق ، وهو مستفاد من هذه الآية الشريفة ، فإنّ السنة شارحة للقرآن العظيم الذي هو الأصل لجميع المعارف الإلهية ، ولو ظهر القرآن في صورة التكثرات فإنّه يظهر في السنة المقدّسة. ولو تجلّت السنة الشريفة في الصورة الوحدانية لتجلّت في الصورة القرآنية. والجميع شروق غيبي على العقل الكلّي المجرّد ، وتجلّ إلهي في عالمي الملك والملكوت حصل لسعادة الإنسان ولتكميل العقول الناقصة.
ومن ذلك يعلم : أنّ الجواب لم يكن تحويلا لجواب آخر ، بل كان جوابا شاملا لما كان يقصد السائلون معرفته ، وما هو الأفضل لهم وهو من ينفق عليه ، فأجمل سبحانه في الأول لشمول لفظ الخير للجميع من الأعيان والمنافع والانتقاعات وغير ذلك. وفصّل في الثاني لأجل الاهتمام به.
ويظهر مما تقدم : أنّ ما ذكره المفسرون في المقام لا يخلو من مناقشة واضحة.
قوله تعالى : (قُلْ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ).
(الخير) مقابل الشر ، وهما يتصفان بالحقيقية والإضافية ، ولهذا اللفظ استعمالات كثيرة في القرآن الكريم. ويطلق على ذات المبدأ جلّت عظمته ، وكلّ ما هو في صراطه وطريقه ومضاف إليه حتّى الخلود في الجنة ، فهو من أعم الأشياء لفظا ومعنى. كما أنّ الشر يطلق على ذات الشيطان ، وكلّ ما في سبيله ويضاف إليه إلى الخلود في النار ، وقد جمعهما عليّ (عليهالسلام) في كلمته المباركة : «ما خير بخير بعده النّار وما شرّ بشرّ بعده الجنّة وكلّ نعيم دون الجنّة فهو محقور وكلّ بلاء دون النّار عافية».