ولم يعين سبحانه الخير هنا لأنّه يختلف باختلاف الأعصار والأمصار والأمم ، فكلّ ما هو خير عرفا داخل في هذه الآية ما لم يرد نهي شرعي في البين.
والمعنى : قل في جوابهم ما يظهر لهم خصوصيات الموضوع ، فيعرفون ما ينفقونه وهو ما كان خيرا لوجه الله تعالى يرجع نفعه للمنفق والمنفق عليه ، ويعرفون مواضعه حتى لا يكون الإنفاق في غير موضعه تضييعا للمال وتترتب عليه المفاسد.
قوله تعالى : (فَلِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ).
(اليتم) في الإنسان : انقطاع الصبي عن أبيه قبل بلوغه ، وفي الحيوان عن أمه ، وكلّ متفرد في نوعه يتيم ، يقال : درة يتيمة. وابن السبيل المنقطع عن ماله. والمساكين الفقراء.
وقدّم سبحانه الوالدين لأنّهما أقرب الناس ، ولما تحمّلا من المشاق في التربية ، وقد تقدم في قوله تعالى : (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ) [البقرة ـ ١٧٧] ، ما يتعلّق بالمقام فراجع.
ثم إنّ الإنفاق ينقسم حسب التكاليف الخمسة الشرعية ، فهو إما واجب كالزكاة ، والخمس ، والكفارات ، والفدية. أو مندوب كالهدايا والعطيات ونحوهما مما هو كثير. أو مكروه ، كالإنفاق على الأجنبي مع وجود ذي رحم محتاج ، أو الإنفاق على البعيد مع احتياج الجار وفقره ، وعدم المانع من الدفع إليهما في البين أو حرام ، كالإنفاق بالأموال المحرّمة أو المشتبهة في ما إذا وجب الاحتياط والاجتناب عن أطراف الشبهة ، وهي كثيرة. أو مباح ، كالإنفاق للتوسعة من غير الحقوق الواجبة على فقير عنده ما يكفيه لضروريات معاشه. والتفصيل مذكور في كتب الأحاديث والفقه.
قوله تعالى : (وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ).
وعد من الله تعالى بالجزاء على الخير الصادر من كلّ فاعل ، وإعلام بأنّه لا يغيب عنه فهو محفوظ عنه لا يذهب هدرا باطلا بل يجازي عليه بالجزاء الأوفى.