إلى الحق ، ومن الشهوات إلى العقل ، ومن حضيض الحيوانية إلى الروح الإنسانية ، وهي مورد دعوة الأنبياء ، وترغيب كتب السّماء ، وفي الحديث «المهاجر من هجر المحرّمات» ويتصف بها حينئذ جميع الأنبياء والمرسلين وعباد الله الصالحين فإنّهم يهاجرون إلى ربّهم في جميع حالاتهم وشؤونهم. ويكون مقصدهم من ذلك السّفر من الخلق إلى الحق ، وغاية هذا السّفر هو التحلّي بأنوار الحق والتجلّي بنور العظمة على قلوبهم. ويدل على ذلك قوله تعالى حكاية عن نبيّه لوط (عليهالسلام) : (إِنِّي مُهاجِرٌ إِلى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [العنكبوت ـ ٢٦] ، وهي من الهجرة إلى الجمال القدسي المطلق ، وسرّ الكلّ مما تحقق ولم يتحقق.
والمراد به في المقام : الذين آمنوا وهاجروا من بلادهم لأجل إعلاء كلمة الحق ، والقيام بنصرة الدّين.
وإنّما كرّر (الَّذِينَ) للعناية بالهجرة والجهاد ، والاهتمام بهما.
قوله تعالى : (وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ).
الجهاد والمجاهدة : استفراغ الوسع في مدافعة العدو ، وهو على أقسام : مجاهدة العدو الظاهر ، ومجاهدة الشيطان ، ومجاهدة النفس الأمارة ، وقد يعبّر عن الأخيرة بالجهاد الأكبر ، كما ورد في الحديث عن نبينا الأعظم (صلىاللهعليهوآله) قال بعد الفراغ من بعض الغزوات : «فرغنا عن الجهاد الأصغر وعليكم بالجهاد الأكبر». ويتحقق باليد واللسان ، فعن نبينا الأعظم (صلىاللهعليهوآله) «جاهدوا بألسنتكم كما تجاهدون بأيديكم».
وسبيل الله : كلّ ما أذن الله تعالى فيه ، ويرجى ثوابه ، ويبتغى رضوانه.
والجهاد بمعناه العام ـ أي استفراغ الوسع في دفع الموانع عن الوصول إلى المقصود والمراد ـ من أعظم ما بني عليه نظام التكوين ومن أهم أركان النظام الأحسن ، فلو فرض عدم الجهاد والمجاهدة والمصابرة في سبيل المرام لاختل النظام وبطل الاستكمال بين الأنام مطلقا ولا يختص ذلك بالإنسان بل يعم الحيوان أيضا. فالوصول إلى المقامات العالية دنيوية كانت أو أخروية لا