الذي جمع فيه المعارف الإلهية والأحكام الشرعية والعلوم المتعالية.
وقد ورد هذا اللفظ في القرآن فيما يزيد على خمسين موردا كلّها مقرونة بالتجليل والتعظيم ، وله أسماء كثيرة للقاعدة المعروفة : كلما ازداد المعنى بهاء وكمالا ازدادت ألفاظه جمالا وجلالا. وهو المهيمن على جميع الكتب السماوية ، والمشتمل على أسرار يصعب على الأذهان فهمها ، ولا يمكن الإحاطة بها إلا نزرا يسيرا ممن شملتهم عناية الله تعالى ، فعلّمهم ما لم يمكن دركه بغير إفاضة منه عزوجل مع اعترافهم بالقصور ، والتواضع أمام عظمته ، فإنّ درك حقيقة الوحي يختص بالموحي ، وأمين الوحي والموحى إليه ، وهي من الأسرار التي لا يتقدمهم فيها أحد.
ومادة (نزل) تدل على الانحطاط من العلوّ في جميع مشتقاتها سواء كان ذلك حقيقيا أو اعتباريا. وأما التنزيل فقد لوحظ فيه التفرق بخلاف الإنزال فإنّه أعم منه.
وللتنزيل والإنزال مراتب مختلفة وغايات متعددة يتعددان بتعددهما ويختلفان باختلافهما :
فتارة : ينزل من مرتبة العلم الأزلي إلى مرتبة فعله تعالى.
وأخرى : ينزل جملة على أقدس قلب وأصفاه في الممكنات ، وهو قلب نبينا الأعظم (صلىاللهعليهوآله) فيكون كشهاب برق إلهي يبرق على شمس الحقيقة ليزيدها بهجة وجلالا ، ولمعة وإجلالا.
وثالثة : ينزل متفرقا ليقرأه على مكث ، وسيأتي في المبحث الآتي ما يتعلق بنزول القرآن.
والآية تدل على أنّ القرآن الكريم نزل في شهر رمضان إلا أنّها لم تعيّن في أيّ وقت منه ، ولكن ورد في آية أخرى أنّه في ليلة مباركة ، قال تعالى : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ) [الدخان ـ ٣]. وفي ثالثة : ذكر أنّها ليلة القدر ، قال تعالى : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) [القدر ـ ١]. والأخيرة تكون مبينة للآيات السابقة ، فلا منافاة في البين.