بحث فلسفي
تقدم أنّ قوله تعالى : (وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ) يشير إلى وجود عالم الحقائق التي لا تغيير فيها ولا تبديل ، وهو بمعزل عن الأوهام والخيالات النفسانية التي تتعلّق بما هو المحسوس والمأنوس من المادة والماديات مع الغفلة عمّا وراء ذلك. فإذا تعلّق الحب والكراهة بما هو قابل للتغيير والتبديل كانا متغيّرين فربّ شيء يكون خيرا في عالم المادة هو شرّ في عالم الواقع ، وهكذا بالعكس. وعلى هذا يمكن تقسيم الحبّ والكراهة في النفوس إلى أنواع :
الأول : ما إذا حصلا عن مباد وهمية خيالية ، وفي مثل ذلك لا يكونان إلا خيالا في خيال. وموطن هذا النوع إنّما هو الدّنيا بما هي دنيا ، فتحصل المحبة والكراهة في نفوس أهل الدّنيا بالوهم والخيال من دون أن يكون لهما حقيقة وواقع ، قال تعالى : (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَرِضْوانٌ وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ) [الحديد ـ ٢٠].
كلّ ما في الكون وهم أو خيال |
|
أو عكوس في المرايا أو ظلال |
ولو تأملت أحوال أهل الدنيا لا تجدها إلا كما ذكرناه.