قوله تعالى : (قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ).
الإثم والأثام : هو العقاب ، وما يمنع عن الخير والثواب ، ولا يستعمل إلا فيما يوجب الشقاء والحرمان ، ويذهب السعادة والإيمان.
ومادة (نفع) تأتي بمعنى ما يتوصل به إلى الخير ، ولها استعمالات كثيرة في القرآن الكريم بهيئات مختلفة ، وتستعمل في الدنيا والآخرة قال تعالى : (لَكُمْ فِيها دِفْءٌ وَمَنافِعُ وَمِنْها تَأْكُلُونَ) [النحل ـ ٥] ، وقال تعالى : (هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ) [المائدة ـ ١١٩] ، وإن كان ما يتوصل به شرّا فهو ضرّ ، قال تعالى : (وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً) [الفرقان ـ ٣] ، وفي العرف يستعمل النفع في المنافع المحرّمة أيضا ، وكذا في اصطلاح الفقهاء ، وهي ليست من الخير في شيء إلا أن يراد بالخير مطلق المنفعة والانتفاع ، كما هو الظاهر. فتتطابق اللغة والعرف والاصطلاح.
والتنكير في الآية إشارة إلى هوان النفع ومجهوليته.
وقد ذكر العلماء مضار الخمر والميسر ومنافعهما ، وصنفوا في ذلك كتبا كثيرة ، وقد أثبتت التجارب صدق ما قاله القرآن الكريم في شأنهما.
قوله تعالى : (وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما).
المراد من النفع : ما يقصده الناس وإن كان خياليا وهميا. والآية تبيّن واقعهما بما لهما من الآثار في الدّنيا والآخرة ، لاشتمالهما على ما يضرّ الفرد والمجتمع ، بل تأثيرهما في معيشة الإنسان ونسله في الدنيا وسوء العاقبة في الآخرة ، فإذا كان الأمر كذلك فيهما فلا بد للمؤمن أن يترك الإثم الكبير فيهما.
وإنّما وصف سبحانه الإثم بالكبر دون الكثرة ، لبيان عظمة الإثم والعقاب حتّى كأنّ النفع في مقابله يكون معدوما ، ولذا أفرده عزوجل ولم يقل من منافعهما ، لأنّ العدد لا تأثير له في الكبر.
ولم يصف سبحانه الإثم بالكبر إلا في الخمر والميسر. نعم ، وصف الشرك بالعظيم ، قال تعالى : (وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدِ افْتَرى إِثْماً عَظِيماً) [النساء