ـ ٤٨] ، ولم يشك أحد في حرمة الشرك. ولعلّ ما ورد في السنة المستفيضة من جعل الخمر والميسر من المعاصي الكبيرة مقتبس من هذه الآية الشريفة.
ومن ذلك يعرف أنّ الآية الشريفة ظاهرة في التحريم ، ولا ينبغي الشك في ذلك ، ولو كان بضميمة قوله تعالى : (قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِ) [الأعراف ـ ٣٢] ، فإنّ هذه الآية تدل على حرمة الإثم صريحا ، والخمر والميسر من مصاديقه. وأما ما ذكره جمع من المفسرين من أنّ الآية لا تدل على حرمة الخمر صريحا ، لأنّها تدل على أنّ فيهما الإثم وهو أعم من الحرمة ، فلا يستفاد منها تشريع عام يطالب به جميع الأمة ، ولذا كانت مورد اجتهاد الصحابة فترك الخمر بعضهم ولم يتركها آخرون ، وكان ذلك تمهيدا للقطع بتحريمها حتّى نزل قوله تعالى : (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ) [المائدة ـ ٩٣]. فإنّ فساده واضح ، لأنّ الآية نص في أنّ في الخمر والميسر إثما ، والإثم بمعنى العقاب كما يظهر من موارد استعمالاته ، قال تعالى : (وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدِ افْتَرى إِثْماً عَظِيماً) [النساء ـ ٤٨] ، ومجرد مقابلته للنفع في المقام لا يدل على كونه بمعنى الضرر ، كما عرفت ، فصرف الآية بالاجتهاد إلى غير ما هي نص فيه اجتهاد في مقابل النص ، يضاف إلى ذلك أنّ آية المائدة التي نزلت بعد هذه الآية تدل على توبيخ شديد لمن هتك الحكم واستعمل الخمر ولا يكون ذلك إلا فيما هو محرّم مؤكد في الشريعة قال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ* إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) [المائدة ـ ٩٢ ـ ٩٣].
قوله تعالى : (وَيَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ).
مادة ـ (نفق) تأتي بمعنى المضيّ والنفاذ أي المضيّ من محل إلى محل آخر ، والنفاذ من موضع والوجدان في موضع آخر ، وهي كثيرة الاستعمال في