القرآن الكريم بالنسبة إلى الله تعالى ، وبالنسبة إلى العباد وتنقسم إلى الواجب وغيره ، كما تعم المال وغيره ، كالأخلاق الفاضلة ونحوها.
ومادة (عفو) في جميع استعمالاتها الكثيرة تتضمن معنى السهولة سواء كانت خالقيا أو خلقيا ، ولعلّ من أعذبها قوله تعالى : (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ) [الأعراف ـ ١٩٩] ، الذي هو مجمع الكمالات. وقوله تعالى : (فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ) [الشورى ـ ٤٠] ، والعفو من أسماء الله المقدّسة ، لأن تدبير النظام الأحسن في الدنيا لا يتم إلا بذلك.
والمعنى : يسألونك عما يتعلّق بالإنفاق ذاتا وصفة ، وصرفا ، ومصرفا قل إنّه سهل عليكم ، ومنه الوسط لا الإفراط ولا التفريط ومنه تقديم النّفس وذوي القرابة ، ومنه نزاهة المنفق به عن الحرام والشبهات ، كما أن منه خلوص الإنفاق عن الرياء والمنة.
ومن ذلك يعرف : أنّ جميع ما ذكره المفسرون من صغريات ما ذكرناه لا أن يكون من المعاني المتباينة ، وكذا ما ورد في الأخبار على ما يأتي في البحث الروائي.
وماذا من المبهمات ، كما أثبته علماء الأدب تبعا للمحاورات ، فيطلق على الذات ، والصّفات ، والحالات ، ولا يختص بخصوص السؤال عن الذات لا سيّما بعد كون حسن الإنفاق بأصل الحال من الفطريات مع أنّ السائلين هم من العرب الذين تضرب بجود بعضهم الأمثال فيكون السؤال عن الجهات الخارجة عن الذات ، وإنّما عبّر تعالى بهذا التعبير ، لكونه أشمل وأجمع.
وقد كرر هذا السؤال في موردين أحدهما المقام ، والثاني قوله تعالى : (يَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلْ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ) ـ الآية [البقرة ـ ٢١٥] ، وقد بيّن سبحانه فيه المصرف. ولعلّ الوجه في ذلك بيان أهمية الإنفاق والإيثار على النفس ، فإن له التأثير الكبير في النظام الاجتماعي ، والتكافل بين الأفراد والاتحاد بينهم لا سيّما إذا كانوا محتاجين قد داهمهم الفقر والحاجة ، فيظهر أثر الإنفاق في وحدتهم وتماسكهم وعزّتهم ، وكان ذلك ظاهرا في بدء الدّعوة