وأصل معناه من الاضطراب. وهو اسم جنس له أنواع كثيرة تعرف بالقرائن المحفوفة بالكلام ومع عدمها يرجع إلى العموم.
والمعنى : إنّ القرآن أنزل في شهر رمضان لهداية الناس إلى الصراط المستقيم بحسب اختيارهم ، ولا معنى للهداية الجبرية وإن كانت مقدورة لله تعالى ، قال عزوجل : (أَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً) [الرعد ـ ٣١]. ولكن عنايته الأزلية اقتضت أن تكون اختيارية لأنّ الكمال في الهداية بالاختيار.
قوله تعالى : (وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ)
البينات جمع البينة ، وهي الدلالة الواضحة الكافية عقلا لإتمام الحجة ، قال تعالى : (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ) [الأنفال ـ ٤٢].
والفرقان : ما يفرق بين الحق والباطل ، وهو كثير مثل الكتب السماوية ، قال تعالى : (وَإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَالْفُرْقانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) [البقرة ـ ٥٣]. والزمان الذي يغلب فيه الحق على الباطل ، قال تعالى : (وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ) [الأنفال ـ ٤١]. والمكان الذي يقضى فيه بالحق ويعمل فيه. والمعاجز الصادرة من الأنبياء فرقان ، كما أنّ السنة المقدسة فرقان ، والعقل الداعي إلى عبادة الرحمن واكتساب الجنان فرقان ، والعالم الذي يعمل بعلمه فرقان. وكلّ ما يضاف إليه تعالى فرقان مقابل ما يضاف إلى الشيطان.
والقرآن أجلى تلك المظاهر بل هي منطوية في القرآن فهو قرآن بوجوده الجمعي ، وفرقان بوجوده التفصيلي ، ولا يختص الفرقان بالتفرق الحسي وبحسب المدارك الظاهرية ، بل يشمل التفرق بحسب جميع المدارك ، قال تعالى : (فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) [الدخان ـ ٤]. فجميع التقديرات الإلهية وجميع مراتب قضائه عزوجل من الفرقان ، وفي الحديث : «إنّ الفرقان المحكم الواجب العمل ، والقرآن جملة الكتاب» وهو من بيان بعض المراتب ، وإلا فالقرآن بجميع آياته فرقان.