والمعنى : بمثل هذا البيان وبهذا النحو من الحكمة يشرّع الله تعالى الأحكام ويبيّن الآيات التي تتعلّق بمصالح العباد وسعادتهم.
قوله تعالى : (لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ).
الظرف ـ في الدنيا والآخرة ـ متعلق بقوله تعالى : (تَتَفَكَّرُونَ). أي أنّ غاية تشريع الأحكام ، والحكمة في جعلها أنّها تجعلكم تستعملون عقولكم وتتفكرون في أمر الدّنيا والآخرة وشؤونهما ، وتعملون ما فيه صلاحكم في الدّارين.
والفكر : قوة مودعة في الإنسان توجب العلم بما يراد ، وبها امتاز عن سائر المخلوقات ، والتفكر إعمال تلك القوة ، وقد ورد في الكتاب العزيز والسنة الشريفة الاهتمام الكبير بإعمال هذه القوة التي هي من أعظم وودائع الله جلّ جلاله في هذا العالم ، ففي الحديث عن نبينا الأعظم (صلىاللهعليهوآله) : «تفكر ساعة خير من عبادة سبعين سنة». وسيأتي في الآيات المناسبة ما يتعلّق بذلك.
وفي الآية حث للإنسان على البحث عن حقائق الموجودات وأسرار الطبيعة ، والتفكر في أمور المبدأ والمعاد ، وجميع ما هو مرتبط بمصالح الإنسان من حيث سعادته أو شقاوته وكشف المعارف والعلوم وترغيب له في أن لا يأخذ شيئا إلا بعد التروّي والتفكر فيه.
ثم إنّه لم يرد في القرآن الكريم بالنسبة إلى الفكر المطلوب له تعالى إلا لفظ التفكر ، والغالب اقترانه بالآيات ، ومثل هذا التأكيد لا ينبغي أن يكون مورده الزائل الفاني ، والحادث المتغيّر ، بل يقصد القرآن من ذلك أن يستعمل الفكر فيما هو الأصلح والأنفع للإنسان في الدنيا والآخرة ، وهو جميع العلوم والأمور المرتبطة بالمبدأ والمعاد ، فإنّ التفكر فيهما يدعو الإنسان إلى اختيار الطّريق المستقيم وما هو سبب لنجاته من أهوال المعاد ، كما يدعوه إلى اتباع رشده والإيمان بالله تعالى وما أنزله على الأنبياء والمرسلين ، والعمل بما هو الصّلاح له في الدّارين ، وهذا هو التفكير الصحيح الذي تدعو إليه جميع