بها الإسلام في قوله تعالى : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) [الحجرات ـ ١٠] ، وفيها تلغى الأنانية وما يوجب فساد المجتمع من أنواع البغي والظلم ، كالاستعباد والاستكبار ونحوهما ، وبذلك تتحقق المعادلة بين جميع الأفراد ويعم الخير والسعادة بينهم.
قوله تعالى : (وَاللهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ).
إعلام منه تعالى بأنّه لم يكل أمر اليتامى إلى الناس فقط بل جعل نفسه الأقدس مشرفا عليهم لعناية خاصة بهم ، فقد بيّن عزوجل أنّه العالم بحقيقة الأمر وما تضمره القلوب ، ويميّز بين من قصد الإصلاح ومن قصد الإفساد ، فلا تفسدوا بالنسبة إلى اليتامى فإنّه يجازيكم على ذلك ، وهذا من باب ذكر السبب وإرادة المسبب ، وهذه الآية ترشد الناس إلى مراقبة النفس ، وهي لا تتم إلا بمراقبة الله تعالى في الأعمال والنيات.
قوله تعالى : (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَأَعْنَتَكُمْ).
مادة (عنت) تأتي بمعنى المشقة ، والهلاك ، والذلة ، قال تعالى : (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ) [التوبة ـ ١٢٨] ، وقال تعالى : (وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ) [طه ـ ١١١].
والمعنى : ولو شاء الله لأوقعكم في المشقة والكلفة في أمر اليتامى ولكن ما جعل عليكم في الدّين من حرج ، وهو يريد لعباده اليسر لا العسر ، فلا يكلّفهم إلا بما يناسب حالهم فأباح مخالطتهم والمعاملة معهم معاملة الأخوة.
وهذه الآية تدل على أنّ في الحكم نوعا من التخفيف والتسهيل.
قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ).
أي إنّ الله قويّ يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد لا راد لقضائه ، حكيم في أفعاله يحكم وفق الحكمة ، ويجري التكاليف على حكمة العدل والمصلحة.
والعزّة والحكمة من صفات الذات وهي غير محدودة بحد أبدا ، وهكذا الصفات الذاتية.