وقد ذكر سبحانه وتعالى في المقام ثلاث خصال للقرآن الكريم : وهي أنّه هدى للناس ، وهذه خصلة من لوازم ذات القرآن ، بل جميع الكتب السماوية ، واشتماله على البينات الواضحة لكل فرد ، والفرقان بين الحق والباطل. فإنّ لكل حق حقيقة ، وعلى كل حقيقة نور. وفي مقابل كل حقيقة باطل ، وشأن الكتب السماوية والأنبياء ومن يحذو حذوهم علما وعملا تمييز الحق عن الباطل ، وعرضه على عقول الناس ، كل ذلك على حسب التدرج والتأنّي ، كما هو سنته تعالى في أصل الإيجاد ، أو في جهات التشريع.
قوله تعالى : (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ).
الشهود بمعنى الحضور ، سواء كان بالبصر أو البصيرة ، أو الواقع فالكل شهود ، وهو من الصفات ذات الإضافة ، فكما أنّ الشاهد يشهد المشهود فهو أيضا حاضر لدى الشاهد.
وفي المقام يمكن أن يكون المراد بالشهود الحضور مقابل الغيبة والسّفر ، ويعضده قوله تعالى : (أَوْ عَلى سَفَرٍ). أو يكون المراد الأعم منه ومن استجماع شرائط صحة الصوم ، ويعضده قوله تعالى : (وَمَنْ كانَ مَرِيضاً).
قوله تعالى : (وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ).
العدة : هي المعدودة ، أي عليه صوم أيام أخر مثل الأيام التي فاتته من صوم شهر رمضان. ومن التفصيل بين حكم الحاضر وحكم المسافر في شهر رمضان وإثبات وقتين لهما يستفاد أنّه لا رجحان لصوم المسافر في شهر رمضان ، ويدل عليه ما يأتي من قوله تعالى ، وإلا لما كان لهذا التأكيد والتمييز بين الموضوعين والحكمين معنى.
قوله تعالى : (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ).
الإرادة : هي من الوجدانيات لكل ذي شعور ، لأنّ من لوازم الحياة التحرك بالإرادة ، واشتقاقها من ورد.
وعن جمع من المفسرين وغيرهم أنّها بمعنى الطلب ، ولا كلية فيه كما