قال سبحانه وتعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) [الأحزاب ـ ٥٧].
وكون الحيض أذى أمر معلوم فإنّه مستقذر ينفر عنه الطبع لكون هذا الدم خارجا عن مزاج الدم الطبيعي لفساده فلا يصلح لتغذية الجنين أو تهيئة اللبن للإرضاع فيرفضه الرحم إلى الخارج مصحوبا بآلام بدنية ونفسية فيكون أذى للنساء كما أنّ لهذا الدم أحكاما خاصة يصعب عليهنّ تحمّلها وهو أذى للزوج لأنّه يحرم عليه مدة الحيض أهم الاستمتاعات إذ الرّحم مشغول بتطهيره وتنقيته والوقاع يضرّه بل هو أذى للنطفة إذا فرض انعقادها في زمان الحيض. وقد كشف العلم الحديث عن كثير مما يتعلّق بهذا الدم ويشمل جميع ذلك إطلاق هذه الكلمة الفصيحة بإيجازها (قُلْ هُوَ أَذىً).
وقيل : إنّ المراد بالمحيض محلّ الحيض ومكانه وباعتبار الملازمة بين الحال والمحل عبّر تعالى بذلك ، فيصح عود الضمير حينئذ بلا استخدام وهذا وإن كان صحيحا ولكنّه صرف لعموم الآية الشريفة إلى بعض المحتملات ، فالصحيح ما ذكرناه.
قوله تعالى : (فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ).
العزل والاعتزال : التجنب سواء كان بالبدن فقط أو القلب أو بهما والمراد به هنا الأول أي : عدم المقاربة معهنّ في محلّ الحيض فقط بقرينة قوله تعالى : (وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ). وهو المراد أيضا إن أريد بالمحيض زمان الحيض لانسباقه إلى الذهن ، وليس المراد وجوب الاعتزال عن النساء مطلقا فإنّه مخالف لظاهر الآية الشريفة وللنصوص المتواترة وإجماع المسلمين. وبذلك أخذ الإسلام الطريق الوسط بين التشديد التام الذي عليه اليهود فإنّهم لا يساكنون النساء حال الحيض ولا يؤاكلوهنّ ولا يمسوهنّ ولا يضاجعوهنّ ففي التوراة كثير من الأحكام الشديدة بالنسبة إليهنّ فقد جاء في سفر اللاويين الفصل الخامس عشر «كل من مسّها ـ أي المرأة في أيام طمثها ـ يكون نجسا إلى المساء وكلّ ما تضطجع عليه في طمثها يكون نجسا وكلّ ما تجلس عليه يكون نجسا ، وكلّ من