الثانية : عبد الإيجاد يعني خلقهم للعبودية والخضوع له تعالى ، كما في قوله تعالى : (إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً) [مريم ـ ٩٣].
الثالثة : المخلصون من عباده تعالى الذين لهم مع الله جل جلاله حالات ، وله عزوجل معهم عنايات ، ولهم في القرآن قصص وحكايات ، وهم الذين استثناهم الشيطان عن غوايته فقال تعالى حكاية عنه : (فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) [ص ـ ٨٣] ، لأنّهم اتخذوا الله تعالى بذاته الأقدس معبودا لأنفسهم بتمام معنى العبودية الحقيقية ، فاتخذهم الله تعالى عبادا لنفسه ومدحهم بأبلغ المدائح ، ولعلّ أرقّها قوله تعالى : (وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً) [الفرقان ـ ٦٣].
الرابعة : عبد لله تعالى ولكنّه يطيع الشيطان ويتبعه ، قال تعالى حكاية عنه : (لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبادِكَ نَصِيباً) [النساء ـ ١١٨] ، سواء كان مسبوقا بالكفر ثم آمن كذلك أم لم يكن ، والجميع عبيده عزوجل لكثرة رأفته وعنايته بخلقه ، ويدل على ذلك قوله تعالى : (نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [الحجر ـ ٤٩] وقوله تعالى : (وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ) [الشعراء ـ ٥٢] مع أنّهم كانوا من سحرة فرعون ، فإنّ المنساق من هذه الآيات أنّ مجرد الإيمان بالله جلت عظمته في مقابل الكفر به يكفي في شمولها له وهو مقتضى الرحمانية والرحيمية المطلقة له عزوجل.
وفي الكلام من العناية واللطف ما لا يخفى.
قوله تعالى : (فَإِنِّي قَرِيبٌ).
القرب معلوم. والقريب من أسماء الله الحسنى ـ وجميع أسمائه المقدسة حسنى ، وإنّما التوصيف إضافي لا أن يكون حقيقيّا ـ وهو إما أن يلحظ بالنسبة إلى الذات المقدسة ، قال تعالى : (إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ) [هود ـ ٦١] ، وقال تعالى : (إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ) [سبأ ـ ٥٠] ، ويبيّن هذا المعنى قوله تعالى : (وَهُوَ