وبهذا المعنى اللغوي جعلت مورد الاستعمال الشرعي مع زيادة شروط وقيود ، كما هو دأب الشارع في جميع موضوعات أحكامه ـ كالصلاة ، والزكاة ، والحج ، والبيع ونحو ذلك. وبذلك لا يخرج عن المصداق اللغوي ، والبحث مفصّل في علم (أصول الفقه) فراجع كتابنا [تهذيب الأصول].
قوله تعالى : (كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ).
أي : كما ثبت على الأنبياء السابقين وأممهم ، منهم من حكى الله تعالى في القرآن الكريم ، كيحيى وزكريا ومريم ، ومنهم من لم يحك ولا يستفاد من ذلك تطابق الصوم في هذه الشريعة مع الصوم في الشرايع السابقة من حيث الحدود ، والوقت ، والكيفية ، بل التشبيه إنّما هو لبيان أنّكم حضيتم بفضله كما حظي الذين من قبلكم به ، وإلا فإنّ الآثار تدل على الاختلاف فيه ، فقد ورد عن الإمام الحسن (عليهالسلام) عن جده رسول الله (صلىاللهعليهوآله) أنّ الصوم على الأمم كان أكثر مما هو على المسلمين في شهر رمضان ، وسيأتي في البحث الروائي مزيد بيان.
ويمكن أن يراد من قبلكم جميع الملل ، فإنّ الثابت أنّ الصوم أمر محبوب في جميع الملل حتى الوثنية وهو مشروع فيهم ، بل يمكن أن يقال : إنّ الإمساك عن الطعام في الجملة من لوازم العبودية بالنسبة إلى كل معبود ، فإنّ أول قدم الوصول إلى المحبة الحقيقية الإمساك عن جملة من الأمور المادية والتنزه عن المستلذات الجسمانية حتى يليق العبد بالمقامات العالية التي منها قول الله عزوجل : «لخلوق فم الصائم أحب إليّ من ريح المسك» ، نعم في هذا الإمساك اختلاف كبير بين الملل وسيأتي في البحث التاريخي تتمة الكلام.
وكيف كان ففي الآية إشارة إلى وحدة أصول المعارف في الأديان الإلهية.
وفيها التسلية للمؤمنين وتطييب أنفسهم لتحمّل هذا التكليف والترغيب في الصوم.
قوله تعالى : (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).
تعليل لثبوت الصوم ، وذكر أهم غايات جعله أي : فرض عليكم الصوم لتتقوا.