وهناك دعاوى أخرى نسبت إلى من لم يعتقد بالدعاء أدلتها موهونة جدا أعرضنا عن ذكرها.
الدعاء ارتباط روحي :
ذكرنا أنّ حقيقة الدعاء هي الاتصال بمبدإ لا نهاية لعظمته وقدرته ومالكيته وقهّاريته ، والتوسل إليه بالترابط الروحي بين الداعي والمدعو. يلتمس منه الداعي نجح مطلوبه وقضاء حاجته فيلهم الله تعالى الداعي ما يرشده إلى مطلوبه ، فيكون الدعاء ضربا من التأثير الروحي ، وذلك يتوقف على معرفة الله جلّ شأنه رب الأرباب وله السلطان التام وأنّ جميع الأسباب راجعة إليه عزوجل ، والإذعان بأنّها الواسطة في التأثير فقط وأنّ المؤثر هو الله وحده ، وإلى ذلك يشير ما ورد عن رسول الله (صلىاللهعليهوآله) : «لو عرفتم الله حق معرفته لزالت لدعائكم الجبال». والوجه في ذلك واضح فإنّ الجهل بمقام الربوبية العظمى والإعتقاد بقانون السببية التامة في الأسباب والمسببات الخارجية يوجب البعد عن ساحة الرحمن ، والإذعان بحقيقة التأثير للأسباب العادية ، وينتهي إلى الغفلة عنه ويقابل ذلك التوجه إليه ومعرفته تبارك وتعالى فإنّ مقتضى مالكيته جلّت عظمته لجميع ما سواه ، وربوبيته العظمى لها واستغناؤه عزوجل عن الكل واحتياج الكل إليه هو سؤال الكل منه عزوجل ، ودعاؤه له بلسان الحال والاستعداد ، لأنّ مناط السؤال والدعاء إنّما هو الحاجة ، وهي من لوازم الإمكان. وكلّ ممكن ، سواء كان من المجردات أم الماديات بجواهرها وأعراضها ، جميعا داع له وسائل منه بلسان الافتقار إليه والانقهار لديه وإن لم نفقه سؤال كثير من الممكنات. نعم السؤال ، والدعاء القصدي الاختياري والتوجه الفعلي من شؤون الإنسان فإنّ له شأنا ومنزلة عنده تعالى يحب السماع إليه فيلتذ أولياء الله تعالى بالدعاء والمناجاة ، ويبتهج الله جلّت عظمته بذلك ابتهاجا لا يحيط به غيره ، ففي الحديث : «إنّ الله يعلم حاجتك ، وما تريد ولكن يحب أن تبث إليه الحوائج فإذا دعوت فسمّ حاجتك» وفي أخبار كثيرة أنّ الله تعالى قد يؤخر إجابة دعاء عبد لأن يسمع صوته