وإنّما أبدلت بلعلّ لبيان أنّ التقوى أمر اختياري للإنسان ، لأنّ الصيام إنّما يعدّ نفوس الصائمين لتقوى الله ، وللإشعار بأنّ المرجو من هذا التكليف وسائر التكاليف الإلهية هو التقوى.
وفيه من البشارة بأنّ الصوم يوجب الوصول إلى مقام المتقين الذي هو من مقامات الصدّيقين ، وهو من أقرب المقامات إلى حريم كبرياء ربّ العالمين.
والسر في ذلك واضح ، فإنّ الصوم من أقوى الوسائل في كفّ النفس عن الشهوات ، والبعد عن التشبه بالحيوان ، والقرب إلى ذروة مقام الإنسان ، وبه يتهيّأ إلى القيام بالطاعات لا سيما إذا اقترن الإمساك الظاهري بإمساك القلب عما لا يليق بمقام الربّ ، ولذلك كان «الصوم نصف الصبر» كما ورد عن نبينا الأعظم (صلىاللهعليهوآله) وبالصبر والاصطبار يستعد الإنسان لنيل الكمال والسعادة.
وذكر كلمة «لعل» في المقام ونظائره ـ مع امتناع حقيقة الترجي بالنسبة إليه تعالى ، لأنّه من صفات الممكن الناقص ، ولا يعقل النقص بالنسبة إليه جلّ شأنه ـ إما لأجل حال المخاطبين ، أو بداعي محبوبية التقوى لديه تعالى ، أو لأجل بيان أنّها أمر اختياري ، كما ذكرنا.
١٨٤ ـ قوله تعالى : (أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ).
مادة (ع د د) تأتي بمعني جمع الآحاد ، ولها استعمالات كثيرة في القرآن الكريم قال تعالى : (لَقَدْ أَحْصاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا) [مريم ـ ٩٤] وقال تعالى :
(وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ) [الإسراء ـ ١٢] وقال تعالى : (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوها) [النحل ـ ١٨].
ولفظتا «معدودات» و «معدودة» لم تستعملا في القرآن الكريم إلا صفة للأيام قال تعالى : (وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ) [البقرة ـ ٢٠٣] وقال تعالى : (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ) [آل عمران ـ ٢٤] وقد ورد في قوله تعالى : (دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ) [يوسف ـ ٢٠] ولكنه كناية عن القلة.
ويمكن أن يراد بها في المقام القلّة أيضا أو عدم التغيير والتبديل إلى الأبد ،