بحث عرفاني
لا ريب في أنّ أقوى مراتب سلوك السالكين إلى الله جلت عظمته وأهم مقامات سيرهم وسفرهم إنّما هو السفر من الخلق إلى الحق أي : التوجه التام بحيث ينقطع عما سواه تعالى وهو السير في الحق بالحق. وهذا السفر الروحاني يصح أن يعبّر عنه : بأنّه سفر من المحدود من كل جهة إلى غير المحدود من جميع الجهات ، وعطف وحنان ممن لا حد لرحمته وحنانه وعنايته إلى ما هو المحتاج على الإطلاق وهذا السفر وهذه الرحمة والعطف يتحققان في حقيقة الدعاء مع الإيمان بالله جلت عظمته وبما جاء به نبينا الأعظم (صلىاللهعليهوآله) ، لأنّ هذه الحقيقة مع ذلك عبارة عن تخلّي النفس عن جميع الرذائل وطهارة روحية عن جميع الصفات الذميمة والأهواء الشريرة وارتباط روحي مع عالم الغيب.
وإن قلت : إنّها تجلّي الرحمة الرحيمية والرحمانية بالنسبة إلى الداعين.
أو قلت : إنّها عروج النفوس المستعدة عند الانقطاع عما سوى رب العالمين إلى أعلى الدرجات التي أعدت لها ، ولذا قال تعالى : (ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْ لا دُعاؤُكُمْ) [الفرقان ـ ٧٧] ، وقال الصادق (عليهالسلام) كما تقدم : «الدعاء مخ العبادة» ولذا كان الأنبياء والأوصياء والعلماء العارفون بالله تعالى يواظبون عليه أشد المواظبة في جميع أحوالهم حالا ومقالا.