النبي (صلىاللهعليهوآله) عن ذلك فتوهموا من عدم النهي تقريرا منه (صلىاللهعليهوآله) فيكون التشريع من حيث التقرير ، فمن يقول بالنسخ يلاحظ جهة التقرير ومن لا يقول به يلاحظ أصل الفعل فيصير مجموع هذه الآيات المباركة من قبيل قوله تعالى : (وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللهِ فَما رَعَوْها حَقَّ رِعايَتِها) [الحديد ـ ٢٧] فإنّهم مع بنائهم على ترك المباشرة مع ذلك خانوا أنفسهم وباشروا النساء ، ويستفاد ذلك من سياق الآية : (عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ).
قوله تعالى : (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ).
ترخيص للأكل والشرب في ليلة الصيام إلى أول طلوع الفجر الصادق الذي هو عبارة عن البياض المعترض في الأفق آخر الليل ويكون معترضا مستطيلا كالخيط الأبيض ، وسمي بالصادق لصدقه في إخباره عن قدوم النهار ، مقابل الفجر الكاذب الذي يشبه بذنب السرحان.
ومن ذلك يظهر أنّ ليلة الصيام هي عبارة عما بين غروب الشمس إلى طلوع الفجر الصادق ، كما أنّ اليوم الصومي عبارة عما بين طلوع الفجر إلى غروب الشمس واليوم العملي [الإيجاري] عبارة عما بين طلوع الشمس وغروبها لو لم يكن جعل آخر في البين.
وقوله تعالى : (مِنَ الْفَجْرِ) بيان للخيط الأبيض أي : يتبيّن الخيط الأبيض من الفجر وذلك بطلوع الفجر الصادق أي : نور الصبح من ظلمة الليل ، وفي الكلام تشبيه بليغ يشبّه الفجر بالخيط الأبيض وغبش الليل بالخيط الأسود ، والعرب تشبه النور الممتد بالحبل أو الخيط ، وفي الحديث عن نبينا الأعظم (صلىاللهعليهوآله) في صفة القرآن : «كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض» يعني : نور هداه المؤمن من العذاب والحيرة ممدود من السماء إلى الأرض ومنه قوله تعالى : (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا) [آل عمران ـ ١٠٣].