ولعل وجه التشبيه أنّهم لم يعرفوا من قواعد الهيئة والأفلاك العلوية شيئا وإنّما كان أنسهم بالأمور المادية ، فشبّه الجليل جلّ وعلا الفجر بالأمر المحسوس ، لتقريبه إلى أذهانهم ولبعده عن الالتباس وسهولة معرفته.
ومن تحديد الفجر بتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود يستفاد أنّه يكون من أول حين طلوع الفجر ، لأنّ ارتفاع الشعاع يوجب اضمحلال الخيطين وإبطالهما.
وهذه العلامة من العلامات العامة في الأوقات بلا اختصاص لها لبلد أو أفق معيّن ، كغروب الشمس الذي هو علامة لدخول ليل كل بلد بحسب أفقه.
وذلك لأنّ حدّ الظلمة في هذا العالم المتحرك الدوار ينتهي إلى النور ، كما أنّ حد النور ينتهي إلى الظلمة لفرض تناهي كل واحد منهما في فلكهما المتحرك الدائر ، فيحصل نحو اختلاط بين النور والظلمة حتى يغلب النور على الظلمة ، كما في الاختلاط الحاصل في الفجر ، أو تغلب الظلمة على النور كما في الاختلاط الحاصل في الغروب ، والأول يسمى الفجر أو الخيط الأبيض والخيط الأسود بالتعبير القرآني ، والثاني يسمى الشفق ، وكلاهما مذكوران في القرآن الكريم أحدهما في المقام والثاني في قوله تعالى : (فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ) [الإنشقاق ـ ١٦] ، وكل منهما لا ينعدمان آنا مّا من هذا العالم ، لاختلاف الآفاق ، ففي كل حين في هذا العالم غروب ، ودلوك ، وشفق ، وفجر ذلك تقدير العزيز العليم الذي (يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ) [لقمان ـ ٢٩] ، هذا في العالم الذي نحن فيه ، وأما في سائر العوالم أو سائر المجموعات الشمسية التي يكون عالمنا الذي نحن فيه كخردلة في فلاة ، فليس للعقول الدراكة إلى ذلك من سبيل ، وقد اعترف المتخصصون بالتحيّر والقصور.
قوله تعالى : (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ).
التمام : ضد النقصان ، ويستعمل في انتهاء الشيء بحيث لا يحتاج إلى شيء آخر خارج عنه.