لما حدد سبحانه ابتداء الصيام بالفجر ذكر هنا تحديد انتهائه بإتمامه إلى الليل ـ المعاقب للنهار ـ الذي يبدأ بغروب الشمس وذهاب الحمرة المشرقية.
وذكر بعض المفسرين أنّ في قوله تعالى : (أَتِمُّوا) دلالة على أنّ الصوم واحد بسيط وعبادة واحدة تامة لا أن يكون مركبا من أجزاء ، وهذا هو الفرق بينه وبين الكمال حيث إنّه انتهاء وجود مّا لكلّ من أجزائه أثر مستقل وحده.
ولكن يمكن أن يقال : إنّ الصوم كسائر العبادات يلحظ فيه جهة تمام وجهة كمال يمكن أن تكون الثانية بالنسبة إلى الشرائط الأعم من شرائط الصحة والكمال ، وتكون الأولى بالنسبة إلى الأجزاء هذا إذا لم تكن قرينة على الخلاف وإلا فهي المتبعة ، ومنه يعلم ما في المقام من ذكر التمام دون الكمال ، ويأتي في قوله تعالى : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي) [المائدة ـ ٣] ، تتمة الكلام.
وحيث إنّ بين الشروع في نية الصيام والمضيّ فيه نحو فصل عرفي عطف سبحانه ب (ثم) للتنبيه إلى هذه الجهة.
قوله تعالى : (وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ).
استثناء من العموم الذي ربما يتوهم من قوله تعالى : (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ) ليشمل جواز المباشرة ليالي الاعتكاف في المسجد فنهى تعالى عن ذلك حالة الاعتكاف مطلقا.
والعكوف : هو الإقبال على الشيء وملازمته على سبيل التعظيم. وفي الشرع : ملازمة المسجد والمكث فيه على سبيل القربة للعبادة.
وتستعمل المادة في مطلق الحبس أيضا قال تعالى : (سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ) [الحج ـ ٢٥] ، وقال تعالى : (فَنَظَلُّ لَها عاكِفِينَ) [الشعراء ـ ٧١] وقال تعالى : (فَأَتَوْا عَلى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلى أَصْنامٍ لَهُمْ) [الأعراف ـ ١٣٨] وقال تعالى : (وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ) [الفتح ـ ٢٥].