٣. غريب القرآن
غريب القرآن : هو ما استغلق الإحاطة بمعانيه ، لقلة ما يعرف الباحث من موضوعات اللغة وحقائقها ، ففي سورة عبس ترد لفظة الأب ، كقوله : (وَفاكِهَةً وَأَبًّا) (٣١) ، قال فيها عمر : الفاكهة وقد عرفناها ، فما الأب؟ فعاب عليه أبو بكر ، واعتبر سؤاله من التكلّف ، وقال : (آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا) (٧) (آل عمران) ، وقال : ما كلّفنا بهذا! ولم يكن ذلك عن جهل من عمر أو أبى بكر لمعنى الأب ولكنهما حارا في المعانى الكثيرة للكلمة ، فخشيا إن فسراها بمعنى ، أن يكون المراد غيره ، فلذلك اختلف المفسرون في معنى «الأب» إلى سبعة أقوال. وهذا نموذج لغريب القرآن ، وكانوا يتحرّون الشعر لأنه ديوان العرب ، فينظرون إن كانت الكلمة قد وردت عند أحد الشعراء من القدامى؟ والمفسّر للقرآن يحتاج إلى معرفة مدلول الغريب من القرآن ، ويقتضى ذلك معرفته للغات العرب. وكان الأصمعى ـ وهو إمام اللغة ـ يخشى التصدّى لغريب القرآن ولا يحاول تفسيره ، وسئل ما معنى : (شَغَفَها حُبًّا) (٣٠) (يوسف) فسكت ، ثم تذكر قولا لبعض العرب في جارية لقوم أرادوا بيعها ، أتبيعونها وهى لكم شغاف؟ ولم يزد على هذا ، ولهذا كان النبىّ صلىاللهعليهوسلم يحثّ المسلمين على تعلّم إعراب القرآن ومعانى كلماته العربية.
* * *
٤. اختلاف المتكلمين عن الأصوليين في تعريف القرآن
الخلاف بين الاثنين ظاهرى ، فالمتكلمون ـ بما أنهم متكلمون ـ فقد اهتموا بالكلام القرآنى من ناحيته النفسية أو الذهنية أو الباطنية ، أى قبل أن يخرج كلاما على الحقيقة. ومن الكلام من هذا النوع النفسى في الحديث عن أم سلمة ، قول الرجل لرسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إنى لأحدّث نفسى بالشىء لو تكلمت به لأحبطت أجرى» ، فقال له النبىّ صلىاللهعليهوسلم : «لا يلقى ذلك الكلام إلا مؤمن». رواه الطبرانى. والنبىّ صلىاللهعليهوسلم سمّاه كلاما مع أن الرجل لم ينطق به ، وإنما هو حديث نفسى ، أو خواطر ذهنية باطنية لم ترق أن تكون كلاما منطوقا ، وقد جاء عن المتكلمين أنهم اعتبروا كلام القرآن قديما ، وغير مخلوق ، ومنزّه عن الأعراض ، وأزليا ، وليس مجرد ألفاظ متراتبة ، مصورة الحروف والأصوات ، وإنما كان من أول الفاتحة إلى آخر سورة الناس كلمات حكمية ، أى قديمة قدم الله سبحانه وتعالى ، فلأنه تعالى قديم فكلامه كذلك قديم وليس حادثا ، وقولهم ذلك لأنهم اعتقدوا أن مذهبهم ينزّه الله تعالى ولا يفصل صفاته عنه ، فهو تعالى لم يتصف بصفاته من يوم أن مورست هذه الصفات ، ولكنها صفات قديمة فيه ، فالصفات هى عين الذات ، والذات هى الصفات.