وأما الأصوليون فكان اهتمامهم بالأحكام والاستدلال عليها ، وطريق ذلك الألفاظ ، واهتم علماء اللغة بها كدليل على إعجاز القرآن ، ولإثبات نبوة محمد صلىاللهعليهوسلم بإثبات أن القرآن معجزة اختص بها ، ولو لم يكن نبيا ما كان القرآن الذى أتى به معجزة ، فأبانوا وأفصحوا عن أن القرآن هو كتاب الله لا نزاع في ذلك.
* * *
٥. كتابة القرآن
يقول ابن عباس : كان رسول الله إذا نزلت عليه سورة دعا بعض من يكتب فقال : «ضعوا هذه السورة في الموضوع الذى يذكر فيه كذا وكذا». يعنى أنه صلىاللهعليهوسلم اتخذ كتّابا للوحى ، فكلما نزل عليه شىء من القرآن أملاه عليهم ليسجلوه توثيقا وضبطا ، لتظاهر الكتابة الحفظ لآيات القرآن ، وليكون النقش مؤيدا للفظ. ومن هؤلاء الكتاب : أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلىّ ، ومعاوية ، وإياس بن سعيد ، وخالد بن الوليد ، وأبىّ بن كعب ، وزيد بن ثابت ، وثابت بن قيس ، وأرقم بن أبىّ ، وحنظلة بن الربيع.
وكان يدلهم على موضع ما يمليه عليهم من السورة التى يتبعها ، فيكتبونه على العسب جريد النخل ، وكانوا يكشفون الخصوص ويكتبون في الطرف العريض ، واللّخاف جمع لخفة وهى الحجارة الرقيقة المبسوطة كالصحيفة ، والرقاع جمع رقعة ، وقد تكون من جلد أو ورق عريض ، وقطع الأديم وهو جلد الحيوان المدبوغ والمبسوط ، وعظام الأكتاف والأضلاع ـ وعظم الكنف والضلع هو أعرض عظام الحيوانات ، وكانوا يختارون عظام أكتاف الجمال بخاصة ، لعرضها أكثر من غيرها. ثم يحفظ المكتوب في بيت الرسول صلىاللهعليهوسلم. وعن زيد بن ثابت قال : «كنا عند رسول الله صلىاللهعليهوسلم نؤلف القرآن من الرقاع» ، أى يؤلفون بين الآيات بحسب ما يقول عن الوحى ، وكان من الصحابة من يكتب لنفسه ، ومنهم من يعتمد على الحفظ. وكانت هذه العبارة دائما في فم الرسول صلىاللهعليهوسلم عند كل نزول للوحى : «ائتوني بالكتف والدواة».
* * *
٦. رسم المصحف
الأصل في الكتابة أن يجيء المكتوب موافقا للمنطوق ، غير أن عثمان اتبع قواعد في رسم القرآن وحفظه وخطّه بحيث أتت بعض الكلمات على غير مقياس لفظها ، وهذه القواعد ست ، هى : الحذف ، والزيادة ، والهمز ، والفصل ، والوصل ، وما فيه قراءتان جعلت قراءته على أحدهما.