القرآن يخالف بعضه بعضا. وعند البخارى بطريق جندب بن عبد الله ، عن النبىّ صلىاللهعليهوسلم قال : «اقرءوا القرآن ما ائتلفت قلوبكم ، فإذا اختلفتم فقوموا عنه».
وقد نهى الرسول صلىاللهعليهوسلم عن التمادى في الاختلاف ، لما يمكن أن يجرّه من الشر ، كما في قوله تعالى (لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ) (١٠١) (المائدة) ، والمسلمون مطالبون على ذلك بأن يقرءوا ويلزموا الائتلاف ، في الأداء وفي المعنى ، فإذا وقع الاختلاف ، أو عرض عارض شبهة يقتضى المنازعة الداعية إلى الافتراق ، يتركون القراءة ، ويتمسكون بالمحكم الموجب للألفة ، ويعرضون عن المتشابه المؤدى إلى الفرقة ، كقوله صلىاللهعليهوسلم : «فإذا رأيتم الذين يتّبعون ما تشابه منه فاحذروهم». وعند البخارى عن ابن مسعود أنه سمع رجلا يقرأ آية سمع النبىّ صلىاللهعليهوسلم قرأ خلافها ، قال : فأخذت بيده ، فانطلقت به إلى النبىّ صلىاللهعليهوسلم فقال : «كلاكما محسن ، فاقرءا ، فإن من كان قبلكم اختلفوا فأهلكهم».
والمختلفون إذن ينبغى أن يتفرقوا إخوانا ، ويستمر كل منهم مع ذلك على قراءته.
والاختلاف عن حق فيه خير ، وهو سعة للمسلمين. والأولى أن نحذر الفرقة لاختلاف الرأى ، وأن نلزم الجماعة والألفة ، وأن نتوسل بالنظر ، وندقق في الآية المختلف بشأنها ، ونتجنب اللجاج في التأويل وحمل القرآن على الرأى.
* * *
١٠. القرآن نزل على سبعة أحرف
في الحديث : «أن القرآن أنزل على سبعة أحرف ، كلها شاف كاف» ، وأنه صلىاللهعليهوسلم لما أقرأه جبريل القرآن ، اقرأه على حروف ، فظل يستزيده تيسيرا على الأمة ، حتى انتهى إلى سبعة أحرف. ولقد أرسل النبىّ صلىاللهعليهوسلم إلى أمة أمّية ، فيهم الرجل ، والمرأة ، والجارية ، والشيخ الفانى الذى لم يقرأ كتابا ، والعجوز الكبيرة ، والغلام ، وما كانوا يطيقون ذلك لو قرءوا القرآن على أقل من سبعة أحرف ، والمقصود أن الأمّة بينها اختلاف في اللهجات والأصوات ، وطريقة الكلام ، وشهرة نطق بعض الألفاظ والتراكيب ، فلو أن القرآن قرئ بطريقة واحدة ونطق واحد ، لشقّ ذلك على الناس. وكانت الديانات قبل الإسلام تقرأ بحرف واحد ، لأن من نزلت عليهم كانوا أقواما مخصوصين ، وأما أمة الإسلام ففيهم العرب والعجم ، فلو كلّف الجميع أن يعدلوا عن لهجاتهم ، لكان في ذلك تكليفهم بأكثر مما في استطاعتهم ، فتنوعت لذلك القراءات ، وتنوّعها كان ضربا من البلاغة ، وذلك لأن القراءات على كثرتها لم تؤد إلى تناقض في المقروء ، ولا إلى تهافت في المعنى ، ولكنها صارت تصدّق بعضها بعضا ، وتبيّن بعضها بعضا ، وتشهد لبعضها البعض ، ودلّ ذلك أنه مهما تنوعت القراءات فإن الإعجاز واحد على كل حرف ووجه ولسان ، وأيّما حرف قرءوا