١٤. دلائل السور المكية والسور المدنية
الدليل الأول : دليل مكان النزول ، فالسور المكية : هى التى نزلت بمكة ولو بعد الهجرة ، والسور المدينة : هى ما نزل بالمدينة. ومنى وعرفات والحديبية من مكة ، وبدر وأحد من المدينة ، غير أنه يستثنى من ذلك الآيات التى نزلت فى أماكن أخرى ، كقوله تعالى : (لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قاصِداً لَاتَّبَعُوكَ) (٤٢) (التوبة) فإنها نزلت فى تبوك ، فى غير مكة والمدينة ، وقوله تعالى : (وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا) (٤٥) (الزخرف) قيل نزلت فى بيت المقدس ، فى غير مكة والمدينة.
والدليل الثانى : دليل الخطاب ، فما وقع خطابا لأهل مكة فهو مكى ، وما وقع خطابا لأهل المدينة فهو مدنى ، وعليه فإن ما ابتدأ بقوله : (يا أَيُّهَا النَّاسُ) مكى ، وبقوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) مدنى ، وذلك لأن الناس من مكة غالبا كانوا كفارا ، فهم مجرد ناس ، بينما هم فى المدينة مؤمنون فلا أقل من مخاطبتهم ب «يا أيها المؤمنون» ، ويلحق (يا أَيُّهَا النَّاسُ) صيغة : (يا بَنِي آدَمَ) ، وبالطبع فإن هذا ليس دائما ، فهناك آيات مدنية فيها (يا أَيُّهَا النَّاسُ) ، وآيات مكية صدرت ب (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) ، كقوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ) (٢١) (البقرة) مع أن السورة مدنية ؛ وقوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا) (٧٧) (الحج) مع أن السورة مكية. وقد يكون الخطاب خارجا عن الصيغتين ، كقوله : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ) (٦٥) (الأنفال) ، وكل (يا أَيُّهَا النَّبِيُ) مدنى. وهناك عشر آيات تبدأ ب (يا أَيُّهَا النَّاسُ) مكية ، بينما هناك أربع عشرة آية بهذه الصيغة مدنية. وأيضا هناك خمس وسبعون آية مدنية تبدأ ب (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) بينما الآيات المكية من هذا النوع ست آيات فقط.
والدليل الثالث ، الدليل الزمانى : أن المكى ما نزل قبل الهجرة ، والمدنى ما نزل بعد الهجرة ، وهذا دليل أكيد لا تثريب عليه ، وضابط ، وحاصر ، ومطّرد.
* * *
١٥. ضوابط السور المكية والمدنية
تتميز السور المكية والسور المدنية بضوابط وعلامات ، فكل سورة فيها «كلأ» مكية ، ويتكرر لفظ «كلأ» فى القرآن ٣٣ مرة فى ١٥ سورة ، كلها سور مكية ، لأن «كلأ» فيها نفى قاطع ، وإنكار ، وتهديد ، وتعنيف ، كقوله تعالى : (كَلَّا سَيَكْفُرُونَ) (٨٢) (مريم) ، وقوله (كَلَّا وَالْقَمَرِ) (٣٢) (المدثر) ، وإيرادها فى الكلام يناسب كفار مكة أكثر من يهود المدينة.