ـ فهو الذى قام على جمعه ونشره عثمان بن عفان ، أراد به أن يمنع وجود قراءات متعددة مختلفة الألفاظ قد تضرّ بالمعانى. ورغبته هذه فى إيجاد نصّ موحّد كان نتيجتها هذا النصّ الحالى ، ويصفه جولد تسيهر بأنه نصّ غير موحّد الأجزاء. ولم ير فى محاولة جمع القرآن ونشر نسخة واحدة متيقنة الثبوت ، إلا أنها ترسيخ للقراءات المتعددة للصحابة ، ولاختياراتهم الشخصية ، وإنكارهم لوجود قراءات متعددة. والقرآن لم يحدث أن كان مشاعا يقرأه أىّ من كان ، بطريقته الفردية وبحرية ، ولكنه منذ اللحظة الأولى كتب فى حياة النبىّ صلىاللهعليهوسلم ، وجزّأه آيات وسورا ، وأشرف على ضبطه ، ولم يمت الرسول صلىاللهعليهوسلم إلا وقد كان للقرآن حفّاظ وعوه بقلوبهم ، ورددته ألسنتهم ، وكتبوه سطورا على الرقاع وقطع الأديم والعسب والأكتاف. وفى عهد أبى بكر حدثت الردّة ، وجرت موقعة اليمامة فى أواخر سنة إحدى عشرة للهجرة ، واستشهد فيها ـ كما قيل ـ سبعمائة من القرّاء ، فخشى أبو بكر على القرآن ، وقرر أن يجمعه ، وكلّف زيد بن ثابت بهذه المهمة ، فكان يجمع السور والآيات ، ويوازن بين أقوال القرّاء ، ويشرف عليه أبو بكر وعمر ، وانتهت كتابته للقرآن ، كما هو ، متلوا ومتواترا ، على ورق ، وقد رتبت الآيات فى السور على ما وقف عليه الرسول صلىاللهعليهوسلم ، وأجمعت الأمة على هذه النسخة ، وحفظها بعده عمر ، وعهد بها إلى ابنته حفصة ، فحفظتها إلى أن طلبها عثمان ، وقرأها على الصحابة مجتمعين فأقرّوها ، والتزم كل من شارك فى هذا العمل غاية الدقة ، يمليها عليهم الإيمان بالله ، والخوف منه تعالى ، لأن القرآن كلامه.
وكانوا لا يقرّون إلا المتواتر دون ما ينقله الآحاد ، وما كان متلوا دون ما نسخت تلاوته ، وفرّقوا بين ما يكون مكتوبا فى الهوامش كتفسير وما يكون متنا ، وراعوا ترتيب الآيات والسور على ما وقفهم عليه النبىّ صلىاللهعليهوسلم ، وأن يكون بلسان قريش ، وخطّوا منه عددا من النسخ أرسلوا كل واحدة إلى الأمصار. فكيف يقال بعدئذ أنه كانت هناك اختلافات ، وأن النسخة التوحيدية كانت معتسفة؟!
* * *
٣١. من وضع الأعشار للمصحف؟
الأعشار أمر بها المأمون العباسى ، ويقال الأعشار والعشور أيضا : وهى العلامات بالطّيب ، أو الأحمر ، أو الألوان. ثم عشّر المصحف بالحبر ، وكتب به عند خواتم السور عدد ما فيها من آيات ؛ ويعشّر المصحف الآن بأحبار المطابع. والمسلمون بدءوا فنقّطوا ، ثم خمّسوا ، ثم عشّروا. وكان القرآن مجرّدا فى المصاحف ، فأول ما أحدثوا فيه : النّقط على