بالتفسير أو بالتأويل ، وأن من الواجب علينا بإزائها أن نسلّم فيها ، ونؤمن بها كما هى ، ونقرأها كما علّمنا أن نقرأها. والصحيح أن هذه الحروف لها معنى ، ككل شىء فى القرآن ، فلا يعقل أن يكون القرآن هو رسالة الله إلى الناس وتكون بعض مكوناته من الأسرار ، أو محظورا تناولها بالدرس والبحث ، واللافت للنظر فى هذه الحروف أنها تبدأ السور التى تستفتح بآيات الله فى الكون ، فالحروف آيات مثل الآيات الفيزيائية فى الكون ، ومن الحروف يكون التعبير عن الفكر ، وتكون الجمل والعبارات والأسماء والأفعال ، وهى الأبنية التى تقوم عليها القراءة والكتابة ، فإذا كانت الحروف تبدأ بها بعض السور فإنما للفت الانتباه إلى عظمة تأثير الحروف والكلمة فى حياة البشرية والأمم والحضارات ، كلفتة الانتباه إلى كافة الكائنات والموجودات فى الكون كآيات وبراهين ودلائل على وحدانية الله وعلى قدرته وعلمه ، ومن ثم فإنه إذا كان يقول أنه سيبعث الموتى ، وستكون لهم قيامة ، ويعقد لهم حسابا ، وسيجازى المؤمنين المحسنين ، ويعاقب الكافرين المفسدين ، فهو يستطيع ذلك فعلا بما نراه وندركه من وجوه عظمته وتفرّده. ومن هذه الحروف صار الإنسان كاتبا وقارئا ، وهما ما يميزانه كإنسان ، وبهما صار له تاريخ ، وتراكمت لديه المعارف ؛ وأبدع القراءة والكتابة ، وتغنّى بالكلمات والمعانى ، وميز الأصوات والأشكال ، فالحروف آيات ، وربما لهذا كان قسمه تعالى بمعجزاته الكونية الفيزيائية ، كالشمس والقمر ، والليل والنهار ، والأرض والسماء ، والوديان والجبال ، والماء والسحاب والمطر ، والأنهار والبحار ، وقسمه أيضا بمعجزاته الفكرية ، كالقرآن وآياته فيه فى مختلف العلوم والمعارف ، كالطب والهندسة ، والقانون ، والجغرافيا ، والتاريخ ، والاجتماع ، والسياسة ، والزراعة ، والصناعة ، والفنون ، والآداب ... إلخ.
ولاحظ بعضهم من القدامى أن اسمه تعالى «الرحمن» ، لو قطّع ثلاثة أجزاء ، لكان : «الر» ، و «حم» ، و «ن» ، وهذه الأجزاء الثلاثة تبدأ بها ثلاث عشرة سورة من القرآن ، منها خمس سور بداياتها «الر» ، وسبع سور بدايتها «حم» ، وسورة واحدة بدايتها «ن».
وقال آخرون : إن الله تعالى فى الآية (ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ) (١) (القلم) ضمّن النون جماع الحروف التى منها أسماء الموجودات ، لأن النون حرف احتواء ، وداخلها كل الموجودات فى حالة إمكان. وفى التفسير الحديث لهذا الكلام القديم ، أن كل موجود له شفرة أبجدية فى حالة كمون ، هى الشفرة الأبجدية الجينية ، فيثبت بذلك أن الحروف المتقطّعة فى أول السور ليست من المتشابه ، ولا من المكتوم الذى لا يفسّر ، ولا من المستور معانيه ، اختبارا من الله ، وامتحانا لعباده طلّاب العلم والعلماء ، وبناء عليه فإن القول بعدم الخوض