أوائل السور ، ولا يستقيم معناها مع السياق العام للسورة. وكذلك فإن هذه الحروف ليست فواصل بين السور ، ولا هى لجذب الانتباه للكلام بعدها ، لأن الذى يستمع إلى الحروف فى بداية السورة سيعجب ، ويتأفف ، ويتساءل ، ويبدى الاشمئطاط ، فينصت غضبا إلى ما بعدها ، لعل ما حصّله عن الحروف ، وما ذهب إليه تفكيره فيها يكون صحيحا ، ويفاجأ بالمعانى تترى ، والبراهين تساق ، والكلام يطرح بجدية لا هزل فيه ، بل إن القلب ليميل إلى الكلام كلما بشّر ورقّ وطاب ، ويستشعر الخوف إذا هدّد وتوعّد وأنذر. ولو كانت الحروف فواصل لكانت كالأسماء ، والأسماء تعرب ، وهذه الحروف غير معربة.
وفى القرآن أن الكائنات والموجودات كانت قبل أن توجد ممكنات ، وأنها بكلمة «كن» تحقق لها الوجود ، فالعبارة «كن» هى أساس الخلق ، وبها صار الممكن متحققا. و «كن» ليست سوى حروف ، وأى كائن فى الوجود عبارة عن حروف ، أحصاها علماء الوراثة فى الخلية البشرية الواحدة بثلاثة مليارات حرف ، وبمائة وعشرين مليون حرف فى خلية ذبابة الدروسوفيل. ومن هذه الحروف يتألف الجين gene أو المورّث ، وهو بمثابة الكلمة ، وهناك نحو أربعين ألف چين عند الإنسان. وكل كائن له چينوم خاص بنوعه ، والجينوم هو تسلسل الحروف بشكل معين يحدد الشفرة الوراثية. والمادة الوراثيةDNA فى أية خلية عبارة عن جزئ داخل نواة الخلية. ومن هذه المادة يتكون الشريط الوراثى على هيئة حلزون مزدوج ، والمكونات الأساسية للمادة الوراثية للحامض النووى أربعة مكونات تتوالى على الشريط وتمثل الحروف الأربعة للشفرة الوراثيةA ,C ,T ,G وهذه الحروف على اختلاف تسلسلها تكوّن كلمات الشفرة التى تحدد وظائف الجسم وتتحكم فيها.
فيا أيها القارئ ، هل ترى الآن عظمة هذه الحروف ، وأن الله تعالى ينبّه بها إلى آياته ، فإن كان الأوائل يفسّرونها تفسيرهم البسيط فهو جائز بالنسبة لهم ؛ وإنّ كنا نذهب فى تفسيرنا مذهبا آخر أقرب إلى العلم ، فذلك يناسب عصرنا ، والقرآن جاء لكل العصور ، ولتجد فيه كل الشعوب فى كافة الأزمان مبتغاها من الإيمان الشافى المطلوب ، والمريح للصدور ، والكافى للأذهان.
* * *
٣٥. فى خواتم السور
الخواتم فى القرآن كالفواتح للفت الانتباه ، وهى آخر ما يقرأ القارئ أو يسمع السامع من السورة ، ولذا كانت فى الحسن كالفواتح ، مع إيذان القارئ أو السامع بأن الكلام قد انتهى. مثل : (هذا بَلاغٌ لِلنَّاسِ) (٥٢) من سورة إبراهيم ، يجمل بها المطلوب فى السورة ؛