أول سورة : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) ، وروى ذلك عنها البخارى ، ومسلم ، والحاكم ، والبيهقى ، ويؤيدها أبو موسى الأشعرى كما جاء عند الطبرانى. إلا أن الشيخين يرويان أيضا عن جابر بن عبد الله : أول ما نزل إطلاقا كان قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ) ، وكذلك روى البيهقى عن أبى ميسرة عمرو بن شرحبيل : أن الفاتحة كانت أول ما نزل من السور. وعن عكرمة والحسن : أن أول ما نزل من القرآن : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) (١) (الفاتحة) ؛ وأن أول ما نزل من السور : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) (العلق).
والمنطقى أن يأتى فى رواية عائشة فى المقدمة قولها : أن الملك جاء الرسول صلىاللهعليهوسلم وهو يتحنث أو يتعبّد مجاورا فى غار حراء ، فقال له : «اقرأ» ، فقال : «ما أنا بقارئ»؟ فكرر عليه ذلك ، وفى كل مرة يقول النبىّ صلىاللهعليهوسلم : «ما أنا بقارئ»؟ فيقول له الملك : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) (١) (العلق) ـ حتى يبلغ فى السورة إلى (عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ) (٥). ثم إن النبىّ صلىاللهعليهوسلم يخرج من حراء ، فيسمع من خلفه النداء عليه : يا محمد! يا محمد! فيهمّ أن ينطلق هاربا ، فيقول له : لا تفعل. قل : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (١) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) (٢) ، حتى يبلغ : (وَلَا الضَّالِّينَ). ثم إن النبىّ صلىاللهعليهوسلم يتوجه إلى بيته يرجف فؤاده ، فتأمر زوجته أن يدثّروه ، فينزل الله عليه : (يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (١) قُمْ فَأَنْذِرْ) (٢).
وأما شبهة آخر ما نزل من القرآن ، فالخلاف حول ما إذا كانت الآية : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً) (٣) (المائدة) هى آخر ما نزل من القرآن ، لأن الآية صريحة تعلن أن الدين قد اكتمل ، وأن كلمة الإسلام قد تمّت ، صدقا فى الإخبار عن الله ، وعدلا فيما أنزله من أوامر ونواه ، وقال اليهود لعمر فى نزولها : «لو نزلت هذه الآية فينا لاتخذناها عيدا»! ـ غير أنّ الآية عن إكمال الدين ، وليست عن إكمال القرآن ، وكان نزولها فى عرفة ، يوم الجمعة التاسع من ذى الحجة سنة عشر هجرية ، وعاش النبىّ صلىاللهعليهوسلم بعدها ٧٢ يوما ، استمر القرآن يتنزّل عليه فيها.
وفى الرواية عن البراء : أن آخر ما نزل من القرآن : (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ) (١٧٦) (النساء). وعن ابن عباس ، فيما أخرجه النسائى ، قال : إن آخر ما نزل قول الله تعالى فى سورة البقرة : (وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) (٢٨١). وقال سعيد بن جبير : آخر ما نزل من القرآن كله : (وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ) ، فقال جبريل للنبىّ صلىاللهعليهوسلم : «يا محمد ، ضعها فى رأس ثمانين ومائتين من البقرة». قال : وعاش النبىّ بعد نزول هذه الآية تسع ليال ، ثم مات يوم الاثنين لليلتين