الإهداء
إلى القارئ اللبيب ..
كنت أظن أن بوسعى أن أجمع ما فى القرآن من حكمة ، وأمثال ، وقصص ، وأحكام ، وآداب ، وفلسفة ، وعلم فيزياء ، وعلم فلك ، وعلم نفس ، وجغرافيا ، وتاريخ ، ولغة ، وأخبار وغير ذلك مما لا يحصى ولا يعد ، فى كتاب واحد أعطيته اسم الموسوعة ، ولكن تبيّن لى وأنا أكتب ، وأفكر ، وأجمع ، وأحلل ، وأستنبط ، وأدلل ، وأردّ على مفتريات المستشرقين والنصارى واليهود ، أن من المستحيل أن ألمّ بالقرآن كله فى كتاب واحد ، ولأول مرة أعرف تمام المعرفة ، وعن معاناة ، معنى قوله تعالى : (قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً) (١٠٩) (الكهف) ، فالذى يشتمل عليه القرآن أكبر وأجلّ وأعظم من أن يستوعبه مفكر واحد ، ويحتويه كتاب واحد ، فكلماته لا تنفد ، ولا نهاية لها ، وصدق تعالى إذ قال : (وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (٢٧) (لقمان) ، ومقصود الآيتين الإعلام بكثرة معانى كلمات الله ، وهى نفسها غير متناهية ، وإنما قرّبها الله تعالى فى القرآن ليفهمها الناس بحسب ثقافاتهم وأزمانهم ، بما يتناهى لهم من العلم ، لأنه غاية ما بوسعهم ، وما أوتى الإنسان من العلم إلا القليل ، وتفسير القرآن وتأويل آياته يحتاج إلى جهد الإنسانية كلها ، لا جهد فرد وحده ، وإنى لأعتذر للقرّاء عمّا قد يجدونه من نقص ، ولكنه بالتأكيد ليس تقصيرا ، فما قصّرت والله على ذلك شهيد ، وإنما هو جهد المقلّ ، وغاية ما استطعت ، وكل إنسان له وسع ، ومما أفدت من رحلتى مع القرآن أنه تعالى يكلّف على قدر الوسع ، ولقد أردت أن أرضى ربّى بهذا العمل ، وكنت أكتب وكأنى أصلّي ، ومع ذلك استشعرت العجز وأنا حيال القرآن ، وإنى لأستغفر الله عمّا يمكن أن أكون قد أخطأت في فهمه ، أو تعثّرت في الإحاطة بمراميه ، وإلا يغفر لى ويرحمنى لأكونن من الخاسرين ، وإنى لأطمع أن يغفر لى خطاياى ، ولهذا كان تأليفى لهذا الكتاب المبارك بإذن الله. وفقنى الله وإياكم ورحمنا أجمعين.
عبد المنعم الحفنى