الباب الأول
القرآن
* * *
١. مجمل في التعريف بالقرآن
تسمية القرآن مختلف فيها ، قيل هو اسم علم غير مهموز ، وغير مشتق ، خاص بكلام الله ؛ وقيل بل هو مشتق من قرآن الشيء بالشىء ، وسمى به لقرآن السور والآيات والحروف فيه ؛ وقيل هو مشتق من القرائن ، وبه همزة ، ونونه أصلية ؛ وقيل إن ترك الهمزة فيه من باب التخفيف ، وقد نقلت حركتها إلى الساكن قبلها ؛ وقيل هو مصدر لقرأ ، سمى به الكتاب المقروء ، من باب تسميته بالمصدر ؛ وقيل هو وصف على فعلان ، مشتق من القرء بمعنى الجمع.
والقرآن اسمه كذلك عند أهل السنة والجماعة ؛ وهو الفرقان لأنه يفرّق بين الحق والباطل ؛ وهو الكتاب ، والذكر ، والتنزيل ؛ نور ، وهدى ، وشفاء ، ورحمة ، وموعظة ؛ وهو مبين ، ومبارك ، وعزيز ، ومجيد.
والقرآن كلام الله ، مكتوب في المصاحف ، ومحفوظ في القلوب ، ومقروء بالألسنة ، ومسموع بالآذان ، ومع أنه كلام إلا أنه ليس من جنس الحروف والأصوات ، فهذه حادثة ، وكلام الله معان قائمة بذات الله تعالى ، ولكنها تلفظ بألفاظ ، وتسمع بنظم خاص ، وتكتب بنقش موضوع ، كالشيء له وجود في الأذهان ، ووجود في الكتابة ، والكتابة تدل على العبارة ، وهى على ما في الأذهان ، وما في الأذهان هو على ما في الأعيان. وحين نصف القرآن فنقول «كلام الله» ، فالمراد حقيقته الموجودة في الخارج ، فإذا وصفناه بما هو من لوازم المخلوقات ، فالمراد الألفاظ المنطوقة المسموعة ، كأن نقول قرآنا نصف القرآن ؛ وقد نقصد من القرآن شكله ، كأن نحرّم مسّه ككتاب. والقرآن ككلام الله يشترك بأنه معان نفسية إلهية ، في ألفاظ حادثة مخلوقة له تعالى ، وليس من تأليفات المخلوقين ، وإعجازه إنما باعتبار دلالته على المعانى. ولا نزاع في إطلاق اسم القرآن على كلام الله باعتباره معان إلهية تخصّه تعالى ، قد صيغت في كلام حادث يتعارف عليه العامة والقرّاء والأصوليون والفقهاء ، وقامت عليه علوم توفّر عليها العلماء لخدمة القرآن ، ومن ذلك علم تفسير القرآن ، ومن علمائه : ابن هارون السلمى ، وابن الحجاج ، وابن الجرّاح ، وابن عيينة ، وابن همّام ، والطبرى. والمؤلفون كثيرون في غير علم التفسير ، ومنهم : ابن المدينى ، وله «أسباب