كان آمنا. وقوله تعالى : (يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْواناً) حال من المستكن في (ءامّين) أي : قاصدين زيارته حال كونهم طالبين التجارة ورضوان الله بحجهم. ونقل ابن كثير عن ثمانية من سلف المفسرين أنه عنى بالفضل طلب الرزق بالتجارة. قال : كما تقدم في قوله تعالى : (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ) [البقرة : ١٩٨]. وقد ذكر عكرمة والسدّيّ وابن جرير أن الآية نزلت في الحطم بن هند البكريّ. وتقدمت قصته. وقال ابن طلحة عن ابن عباس : كان المؤمنون والمشركون يحجون ، فنهى الله المؤمنين أن يمنعوا أحدا من مؤمن أو كافر. ثم أنزل الله بعده : (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا) [التوبة : ٢٨] الآية. وقال تعالى : (ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللهِ) [التوبة : ١٧]. وقال : (إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) [التوبة : ١٨]. فنفى المشركين من المسجد الحرام. وقال عبد الرزاق : حدثنا معمر عن قتادة في قوله (وَلَا الْقَلائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ) قال : منسوخ. كان الرجل في الجاهلية إذا خرج من بيته يريد الحج ، تقلد من الشجر ، فلم يعرض له أحد. فإذا رجع تقلد قلادة من شعر ، فلم يعرض له أحد ، وكان المشرك يومئذ لا يصدّ عن البيت ، فأمروا أن لا يقاتلوا في الشهر الحرام ولا عند البيت. فنسخها قوله : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) [التوبة : ٥]. وقد اختار ابن جرير أن المراد بقوله : (وَلَا الْقَلائِدَ) يعني أن من تقلد قلادة من الحرم ، فأمنوه. قال : ولم تزل العرب تعيّر من أخفر ذلك. قال الشاعر :
ألم تقتلا الحرجين إذ أعورا كما |
|
يمرّان بالأيدي اللّحاء المضفّرا |
أفاده ابن كثير. وهذه الروايات توضح أنه عنى : (الآمين) : المشركين خاصة. إذ هم المحتاجون إلى نهي المؤمنين عن إحلالهم وما يفيده التعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضميرهم. وكذا الرضوان من تشريفهم ، والإشعار بحصول مبتغاهم. فالسرّ فيه تأكيد النهي والمبالغة في استنكار المنهيّ عنه. قال الزمخشريّ وأبو السعود : قد كانوا يزعمون أنهم على سداد من دينهم ، وأن الحج يقربهم إلى الله تعالى. فوصفهم الله تعالى بظنهم. وذلك الظن الفاسد ، وإن كان بمعزل من استتباع رضوانه تعالى ، لكن لا بعد في كونه مدارا لحصول بعض مقاصدهم الدنيوية ، وخلاصهم عن المكاره العاجلة. لا سيما في ضمن مراعاة حقوق الله تعالى وتعظيم شعائره. ونقل الرازيّ عن أبي مسلم الأصفهاني ، أن المراد بالآية ، الكفار الذين كانوا في عهد النبي صلىاللهعليهوسلم. فلما زال العهد بسورة براءة ، زال ذلك الخطر ، ولزم المراد بقوله تعالى : (فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا). انتهى.