السادس : إطلاق قوله تعالى : (فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ) صادق على المجموعة والمفرّقة. كما في قضاء رمضان ، لقوله (فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) [البقرة : ١٨٤]. ومن أوجب التتابع استدلّ بقراءة أبيّ بن كعب وعبد الله بن مسعود أنهما كانا يقرءان فصيام ثلاثة أيام متتابعات. وقراءتهما لا تتخلف عن روايتهما.
قال الأعمش : كان أصحاب ابن مسعود يقرءونها كذلك.
قال ابن كثير : وهذه ، إذا لم يثبت كونها قرآنا متواترا. فلا أقلّ أن يكون خبر واحد أو تفسير من الصحابة. وهو في حكم المرفوع.
وروى ابن مردويه عن ابن عباس قال : لما نزلت آية الكفارات قال حذيفة : يا رسول الله! نحن بالخيار؟ قال : أنت بالخيار ، إن شئت أعتقت وإن شئت كسوت. وإن شئت أطعمت. فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام متتابعات. قال ابن كثير : وهذا حديث غريب جدّا.
ونقل بعض الزيدية ، رواية عن ابن جبير ، أنه كان يصلّي تارة بقراءة ابن مسعود وتارة بقراءة زيد.
السابع : قال الناصر في (الانتصاف) : في هذه الآية ـ يعني قوله تعالى (ذلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ) ـ وجه لطيف المأخذ في الدلالة على صحة وقوع الكفارة بعد اليمين وقبل الحنث ، وهو المشهور من مذهب مالك. وبيان الاستدلال بها أنه جعل ما بعد الحلف ظرفا لوقوع الكفارة المعتبرة شرعا. حيث أضاف (إِذا) إلى مجرد الحلف ؛ وليس في الآية إيجاب الكفارة حتى يقال : قد اتفق على أنها إنما تجب بالحنث. فتعين تقديره مضافا إلى الحلف. بل إنما نطقت بشرعية الكفارة ووقوعها على وجه الاعتبار. إذ لا يعطي قوله (ذلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ) إيجابا ، إنما يعطي صحة واعتبارا. والله أعلم.
وهذا انتصار على منع التكفير قبل الحنث مطلقا ، وإن كانت اليمين على برّ.
والأقوال الثلاثة في مذهب مالك ، إلّا أن القول المنصور هو المشهور. انتهى.
وقال الرازيّ : احتجّ الشافعيّ بهذه الآية على أن التكفير قبل الحنث جائز. لأنها ذلت على أن كل واحد من الثلاثة كفارة لليمين عند وجود الحلف. فإذا أدّاها بعد الحلف ، قبل الحنث ، فقد أدّى الكفارة. وقوله تعالى : (إِذا حَلَفْتُمْ) فيه دقيقة. وهي التنبيه على أن تقديم الكفارة قبل اليمين لا يجوز. انتهى.