قبيلتين من قبائل الأنصار. شربوا فلما أن ثمل القوم عبث بعضهم ببعض. فلما أن صحوا جعل الرجل يرى الأثر بوجهه ورأسه ولحيته فيقول : صنع بي هذا أخي فلان. وكانوا إخوة ليس في قلوبهم ضغائن ، فيقول : والله! لو كان بي رؤوفا رحيما ما صنع بي هذا. حتى وقعت الضغائن في قلوبهم ، فأنزل الله تعالى هذه الآية. (إِنَّمَا الْخَمْرُ) ... ـ إلى قوله ـ (فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ).
فقال ناس من المتكلفين : هي رجس وهي في بطن فلان وقد قتل يوم أحد. فأنزل الله تعالى : (لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ) ... الآية. ورواه النسائيّ في (التفسير).
وأخرج أبو بكر البزار عن جابر رضي الله عنه قال : أصطبح ناس الخمر من أصحاب النبيّ صلىاللهعليهوسلم ثم قتلوا شهداء يوم أحد ، فقالت اليهود : فقد مات بعض الذين قتلوا وهي في بطونهم ، فنزلت : (لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ) .. الآية. قال البزار. إسناده صحيح.
قال ابن كثير : هو كما قال.
وقد ساق ابن كثير ـ هنا ـ أحاديث كثيرة في تحريم الخمر مما رواه أصحاب الصحاح والسنن والمسانيد ، فمن شاء فليرجع إليه. ولا يخفى أن تحريمها معلوم من الدين بالضرورة.
وقد روى السيوطيّ في (الجامع الكبير) عن ابن عساكر بسنده إلى سيف بن عمر عن الربيع وأبي المجالد وأبي عثمان وأبي حارثة قالوا : كتب أبو عبيدة إلى عمر رضي الله عنهما : إن نفرا من المسلمين أصابوا الشراب. منهم ضرار وأبو جندل. فسألناهم فتأولوا وقالوا : خيرنا فاخترنا. قال : (فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ)؟ ولم يعزم. فكتب إليه عمر : فذلك بيننا وبينهم (فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) يعني : فانتهوا. وجمع الناس فاجتمعوا على أن يضربوا فيها ثمانين جلدة ويضمنوا النفس ، ومن تأول عليها بمثل هذا ، فإن أبى قتل. وقالوا : من تأول على ما فرّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم منه ، يزجر بالفعل والقتل. فكتب عمر إلى أبي عبيدة : أن ادعهم. فإن زعموا أنها حلال فاقتلهم. وإن زعموا أنها حرام فاجلدهم ثمانين. فبعث إليهم فسألهم على رؤوس الأشهاد فقالوا : حرام. فجلدهم ثمانين. وحدّ القوم ، وندموا على لجاجتهم ، وقال : ليحدثن فيكم ـ يا أهل الشام! ـ حادث ، فحدث الرمادة.
ورواه سيف بن عمر أيضا عن الشعبيّ والحكم بن عيينة.