عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ) [فاطر : ٨].
قال الزمخشريّ : وكذلك من يتأسف على ما فيه الفسقة من الفجور والمعاصي ولا يزال يذكر معايبهم ومناكيرهم ، فهو مخاطب بهذه الآية (إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ) بعد الموت (جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ) أي يخبركم (بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) أي في الدنيا من أعمال الهداية والضلال. فهو وعد ووعيد للفريقين. وتنبيه على أن أحدا لا يؤاخذ بعمل غيره.
تنبيه :
لا يستدل بالآية على سقوط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. لأن الظاهر من الآية أن ضلال الغير لا يضر ، وأن المطيع لربه لا يكون مؤاخذا بذنوب العاصي. وإلا فمن تركهما مع القدرة عليهما ، فليس بمهتد. وإنما هو بعض الضلال الذي فصلت الآية بينهم وبينه.
قال الحاكم : ولو استدل على وجوبهما بقوله تعالى (عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ) كان أولى. لأنه يدخل في ذلك كل ما لزم من الواجبات. أي كما فعل المهايميّ في تفسيره حيث قال (عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ). أي ألزموا أن تصلحوها باتباع الدلائل من كتاب الله وسنة رسوله. والعقليات المؤيدة بها ، ودعوة الإخوان إلى ذلك. بإقامة الحجج ودفع الشبه ، وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر بما أمكن من القول والفعل. لا تقصروا في ذلك. إذ لا يضركم من ضل إذا اهتديتم ، بدعوتهم إلى ما أنزل وإلى الرسول وإقامة الحجج لهم ، ودفع الشبه عنهم ، وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر ، بما أمكن من القول والفعل. ولا تقصروا في ذلك. إذ إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم تعملون ، من التقصير أو الإيفاء قولا وفعلا ، في حق أنفسكم أو غيركم. انتهى.
ونقل الرازي عن عبد الله بن المبارك أنه قال : هذه أوكد آية في وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. فإنه قال (عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ) يعني عليكم أهل دينكم. ولا يضركم من ضل من الكفار. وهذا كقوله : (فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) [البقرة : ٥٤] يعني أهل دينكم. فقوله (عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ) يعني بأن يعظ بعضكم بعضا ، ويرغّب بعضكم بعضا في الخيرات وينفّره عن القبائح والسيئات. والذي يؤكد ذلك ما بينا أن قوله : (عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ) معناه : احفظوا أنفسكم من ملابسة المعاصي والإصرار على الذنوب. فكان ذلك أمرا بأن نحفظ أنفسنا. فإذا لم يكن