الآية. قال ، فسمعها ابن مسعود فقال : مه. لم يجئ تأويل هذه بعد. إن القرآن أنزل حيث أنزل. ومنه آي قد مضى تأويلهن قبل أن ينزلن. ومنه آي قد وقع تأويلهن على عهد رسول الله صلىاللهعليهوسلم. ومنه آي قد وقع تأويلهن بعد النبيّ صلىاللهعليهوسلم بيسير. ومنه آي يقع تأويلهن يوم الحساب ، ما ذكر من الحساب والجنة والنار. فما دامت قلوبكم واحدة وأهواؤكم واحدة ولم تلبسوا شيعا ولم يذق بعضكم بأس بعض فأمروا وانهوا. وإذا اختلفت القلوب والأهواء وألبستم شيعا وذاق بعضكم بأس بعض فأمر نفسك. وعند ذلك جاء تأويل هذه الآية. أخرجه ابن جرير.
وأخرج أيضا (١) أنه قيل لابن عمر : لو جلست في هذه الأيام فلم تأمر ولم تنه ، فإن الله قال (عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ) فقال ابن عمر : إنها ليست لي ولا لأصحابي. لأن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : ألا فليبلغ الشاهد الغائب. فكنا نحن الشهود وأنتم الغيب. ولكن هذه الآية لأقوام يجيئون من بعدنا. إن قالوا لم يقبل منهم.
وقد ضعف الرازي ما روي عن ابن مسعود وابن عمر مما سقناه. قال : لأن قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) خطاب عام ، وهو أيضا خطاب مع الحاضرين. فكيف يخرج الحاضر ويخص الغائب؟ انتهى.
أقول : ليس مراد ابن مسعود وابن عمر رضي الله عنهما ، إخراج الحاضرين عن الخطاب ، وأنه لم يعن بها إلا الغيب. وإنما مرادهما الردّ على من تأولها بترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. فأعلماه بأنه لا يسوغ الاستشهاد بها في ترك ذلك. والاسترواح لظاهرها ، إلا في الزمن الذي بيّناه. وحاصله : أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبان ما قبلا ، فإن ردّا في مثل ذلك الزمن فليقرأ : (عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ). هذا مرادهما. والله أعلم.
القول في تأويل قوله تعالى :
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمانِ بِاللهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وَلا نَكْتُمُ شَهادَةَ اللهِ إِنَّا إِذاً لَمِنَ الْآثِمِينَ)(١٠٦)
__________________
(١) الأثر رقم ١٢٨٥١ من التفسير.