الشهود ولم يذكر أن الحكام لا يحكمون إلّا بذلك. فليس في القرآن نفي الحكم بشاهد ويمين ، ولا بالنكول ، ولا باليمين المردودة ، ولا بأيمان القسامة ، ولا بأيمان اللعان وغير ذلك مما يبين الحق ويظهره ويدل عليه. والشارع ـ في جميع المواضع ـ يقصد ظهور الحقّ بما يمكن ظهوره به من البينات التي هي أدلة عليه وشواهد له. ولا يردّ حقّا قد ظهر بدليله أبدا. فيضيع حقوق الله وحقوق عباده ويعطلها. ولا يقف ظهور الحق على أمر معين لا فائدة في تخصيصه به مع مساواة غير في ظهور الحق أو رجحانه عليه ترجيحا لا يمكن جحده ودفعه. وقد أطال في ذلك بما لا يستغنى عن مراجعته.
الثالث ـ في قوله تعالى : (أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ) دلالة على صحة شهادة الذميّ على المسلم عموما. لكن خرج جوازها فيما عدا وصية المسلم في السفر بالإجماع.
قال بعض المفسّرين : ذهب الأكثر إلى أن شهادة الذميين قد نسخت. وعن الحسن وابن أبي ليلى والأوزاعيّ وشريح والراضي بالله وجدّه الإمام عبد الله بن الحسين : أنها صحيحة ثابتة. وكذا ذهب الأكثر إلى أن تحليف الشهود منسوخ. وقال طاوس والحسن والهادي : إنه ثابت. انتهى.
أقول : لم يأت من ادعى النسخ بحجة تصلح لذكرها وتستدعي التعرّض لدفعها.
قال الإمام ابن القيّم في (أعلام الموقّعين) :
أمر تعالى في الشهادة على الوصية في السفر باستشهاد عدلين من المسلمين أو آخرين من غيرهم. وغير المؤمنين هم الكفار ، والآية صريحة في قبول شهادة الكافرين على وصية في السفر عند عدم الشاهدين المسلمين. وقد حكم به النبيّ صلىاللهعليهوسلم والصحابة بعده ، ولم يجئ بعدها ما ينسخها ، فإنّ (المائدة) من آخر القرآن نزولا وليس فيها منسوخ ، وليس لهذه الآية معارض البتة. ولا يصح أن يكون المراد بقوله (مِنْ غَيْرِكُمْ) من غير قبيلتكم ؛ فإن الله سبحانه خاطب بها المؤمنين كافة بقوله (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ...) الآية. ولم يخاطب بذلك قبيلة معينة حتى يكون قوله : (مِنْ غَيْرِكُمْ) أيتها القبيلة ، والنبيّ صلىاللهعليهوسلم لم يفهم هذا من الآية. بل إنما فهم منها ما هي صريحة فيه ، وكذلك أصحابه من بعده.
وقال الحافظ ابن حجر في (الفتح) :