فتعيّن أنهما من غير المؤمنين. وأيضا : فجواز استشهاد المسلم ليس مشروطا بالسفر. وأن أبا موسى حكم بذلك فلم ينكره أحد من الصحابة. فكان حجة. انتهى كلام الحافظ.
وفي (فتح البيان) : الحق أن الآية محكمة لعدم وجود دليل صحيح يدل على النسخ. وأما قوله تعالى : (مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ) وقوله : (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) فهما عامّان في الأشخاص والأزمان والأحوال. وهذه الآية خاصة بحالة الضرب في الأرض وبالوصية وبحالة عدم الشهود المسلمين. ولا تعارض بين خاصّ وعامّ. انتهى.
وقد أطنب الرازيّ في (تفسيره) في الاحتجاج على عدم نسخها بوجوه عديدة ، وجوّد الكلام ـ في أن المراد من (غَيْرِكُمْ) أي : من غير ملّتكم ـ تجويدا فائقا.
الرابع : قال الحافظ ابن حجر في (الفتح) :
ذهب الكرابيسيّ ثم الطبريّ وآخرون إلى أنّ المراد بالشهادة في الآية اليمين. قال :
وقد سمى الله اليمين شهادة في آية اللعان. وأيدوا ذلك بالإجماع على أن الشاهد لا يلزمه أن يقول : أشهد بالله. وأنّ الشاهد لا يمين عليه أنه شهد بالحق. قالوا : فالمراد بالشهادة اليمين لقوله (فَيُقْسِمانِ بِاللهِ) أي : يحلفان. فإن عرف أنهما حلفا على الإثم رجعت اليمين على الأولياء. وتعقب بأن اليمين لا يشترط فيها عدد ولا عدالة ، بخلاف الشهادة. وقد اشترطا في هذه القصة ، فقوي حملها على أنها شهادة. وأما اعتلال من اعتل في ردّها بأنها تخالف القياس والأصول ـ لما فيها من قبول شهادة الكافر وحبس الشاهد وتحليفه وشهادة المدعي لنفسه واستحقاقه بمجرّد اليمين ـ فقد أجاب من قال به بأنه حكم بنفسه مستغن عن نظيره. وقد قبلت شهادة الكافر في بعض المواضع ، كما في الطبّ. وليس المراد بالحبس السجن. وإنما المراد : الإمساك لليمين ليحلف بعد الصلاة. وأما تحليف الشاهد فهو مخصوص بهذه الصورة عند قيام الريبة. وأما شهادة المدعي لنفسه واستحقاقه بمجرّد اليمين ، فإن الآية تضمّنت نقل الأيمان إليهم عند ظهور اللوث بخيانة الوصيّين. فيشرع لهما أن يحلفا ويستحقا ، كما يشرع لمدعي الدم في القسامة أن يحلف ويستحق فليس هو من شهادة المدعي لنفسه ، بل من باب الحكم له بيمينه