وفي (الصحيح) (١) في حديث الشفاعة : إنّ ربي غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ، ولن يغضب بعده مثله.
(قالُوا) من هيبته تعالى ، وتفويضا للأمر إلى علم سلطانه وتأدّيا بليغا في ذاك الموقف الجلاليّ (لا عِلْمَ لَنا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ) أي : ومن علم الخفيات ، لم تخف عليه الظواهر التي منها إجابة أممهم لهم.
تنبيهات :
الأول : قال الرازيّ : اعلم أنّ عادة الله تعالى جارية في هذا الكتاب الكريم أنّه إذا ذكر أنواعا كثيرة من الشرائع والتكاليف والأحكام ، أتبعها إمّا بالإلهيات ، وإمّا بشرح أحوال الأنبياء ، أو بشرح أحوال القيامة ، ليصير ذلك مؤكدا لما تقدم ذكره من التكاليف والشرائع. فلا جرم ، لمّا ذكر ـ فيما تقدم ـ أنواعا كثيرة من الشرائع ، أتبعها بوصف أحوال القيامة.
الثاني : قال الزمخشريّ فإن قلت : ما معنى سؤالهم؟ قلت : توبيخ قومهم. كما كان سؤال الموءودة توبيخا للوائد. فإن قلت : كيف يقولون : لا علم لنا ، وقد علموا بما أجيبوا؟ قلت : يعلمون أن الغرض بالسؤال توبيخ أعدائهم ، فيكلون الأمر إلى علمه ، وإحاطته بما منوا به منهم ، وكابدوا من سوء إجابتهم ، إظهارا للتشكي واللجأ إلى ربهم في الانتقام منهم ، وذلك أعظم على الكفرة ، وأفتّ في أعضادهم ، وأجلب لحسرتهم وسقوطهم في أيديهم. إذا اجتمع توبيخ الله وتشكّي أنبيائه عليهم. ومثاله : أن ينكب بعض الخوارج على السلطان ، خاصة من خواصّه نكبة ، قد عرفها السلطان واطلع على كنهها ، وعزم على الانتصار له منه ، فيجمع بينهما ويقول له : ما فعل بك هذا الخارجيّ؟ (وهو عالم بما فعل به) يريد توبيخه وتبكيته ، فيقول له : أنت أعلم بما فعل بي ، تفويضا للأمر إلى علم سلطانه ، واتكالا عليه ، وإظهارا للشكاية ، وتعظيما لما حلّ به منه. انتهى.
واستظهر الرازيّ أن نفي العلم لهم على حقيقته عملا بما تقرر من أن العلم غير الظن. قال : لأن الحاصل من حال الغير عن كل أحد إنما هو الظن لا العلم. وفي
__________________
(١) أخرجه البخاري في : الأنبياء ، ٣ ـ باب قول الله عزوجل : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ) ، حديث ١٥٧٩ عن أبي هريرة.
وأخرجه مسلم في : الإيمان ، حديث ٣٢٧ و ٣٢٨.