لطيفة :
إن قيل : إن السياق في تعديد نعمه تعالى على عيسى عليهالسلام وقول الكفار في حقه. إن هذا إلا سحر مبين ، ليس من النعم بحسب الظاهر. فما السر في ذكره؟ فالجواب : إن من الأمثال المشهورة : إن كل ذي نعمة محسود. فطعن اليهود فيه بهذا الكلام يدل علي أن نعم الله في حقه كانت عظيمة. فحسن ذكره عند تعديد النعم ، للوجه الذي ذكرناه. أفاده الرازيّ.
ولما بين تعالى النعم اللازمة ، تأثّرها بنعمه عليه المتعدية ، فقال سبحانه.
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنا مُسْلِمُونَ)(١١١)
(وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ) أي : بطريق الإلهام والإلفاء في القلب (أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي) أي : عن دعوته (قالُوا آمَنَّا) وأكدوا إيمانهم بقولهم (وَاشْهَدْ) أي : لتؤديها عند ربك (بِأَنَّنا مُسْلِمُونَ) أي : منقادون لكل ما تدعونا إليه.
وهاهنا لطائف :
الأولى ـ إنما قدموا ذكر الإيمان لأنه صفة القلب. والإسلام عبارة عن الانقياد والخضوع في الظاهر. يعني آمنا بقلوبنا وانقدنا بظواهرنا.
الثانية ـ إنما ذكر تعالى هذا في معرض تعديد النعم. لأن صيرورة الإنسان مقبول القول عند الناس. محبوبا في قلوبهم. من أعظم نعم الله تعالى على الإنسان. كذا قاله الرازيّ.
قال المهايميّ : ليحصل له رتبة التكميل وثواب رشدهم.
الثالثة : قال الرازيّ : إن قيل : إنه تعالى قال في أول الآية (اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى والِدَتِكَ) ثم إن جميع ما ذكره تعالى من النعم مختص بعيسى عليهالسلام ، وليس لأمه تعلق بشيء منها. قلنا : كل ما حصل للولد من النعم الجليلة والدرجات العالية ، فهو حاصل ، على سبيل التضمن والتبع للأم. ولذلك قال تعالى : (وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً) [المؤمنون : ٥٠]. فجعلهما معا آية واحدة لشدة اتصال كل واحد منهما بالآخر. انتهى.