القول في تأويل قوله تعالى :
(قالَ اللهُ هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)(١١٩)
(قالَ اللهُ هذا) أي : يوم القيامة (يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ) لأنه يوم الجزاء. والمراد بـ (الصّادقين) المستمرون على الصدق في الأمور الدينية ، التي معظمها التوحيد ، الذي الآية في صدده. وفيه شهادة بصدق عيسى عليهالسلام فيما قاله ، جوابا عن قوله : (أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ) الآية. وقوله تعالى : (لَهُمْ جَنَّاتٌ) تفسير للنفع المذكور. ولذا لم يعطف عليه ، أي : لهم بساتين من غرس صدقهم (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا) أي : من تحت شجرها وسررها (الْأَنْهارُ) أنهار الماء واللبن والخمر والعسل (خالِدِينَ فِيها) مقيمين لا يموتون ولا يخرجون (أَبَداً رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ) لصدقهم (وَرَضُوا عَنْهُ) تحقيقا لصدقهم. فلم يسخطوا لقضائه في الدنيا (ذلِكَ) أي : الخلود والرضوان (الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) أي : الكبير الذي لا أعظم منه. كما قال تعالى : (لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُونَ) [الصافات : ٦١]. وكما قال تعالى : (وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ) [المطففين : ٢٦] ، وقوله تعالى :
القول في تأويل قوله تعالى :
(لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما فِيهِنَّ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)(١٢٠)
(لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما فِيهِنَ) تحقيق للحق وتنبيه على كذب النصارى وفساد ما زعموا في المسيح وأمه. وذلك من تقديم الظرف. لأنه المالك لا غيره. فلا شريك له. (وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) أي : مبالغ في القدرة. فالجميع ملكه وتحت قهره وقدرته ومشيئته. فلا نظير له ولا وزير. لا إله غيره ولا رب سواه.
روى ابن وهب عن عبد الله بن عمرو ، قال : آخر سورة أنزلت سورة المائدة. أخرجه الترمذي (١) والحاكم. وأخرجا أيضا عن عائشة قالت : آخر سورة نزلت المائدة والفتح ـ كذا في (الإتقان) ـ.
كمل ما قدره تعالى على عبيده من محاسن تأويل هذه السورة الشريفة بعد عصر يوم الجمعة في ١٩ رمضان عام ١٣٢٠ في السدّة اليمنى العليا من جامع السنانية.
والحمد لله ربّ العالمين
__________________
(١) أخرجه الترمذي في : التفسير ، ٥ ـ سورة المائدة ، ٢٣ ـ حدثنا قتيبة.