معاينة ، يعرفون أن التدبر فيه يفيد التطلع على إعجازه. فيخافون تأثيره في قلوب الخلائق. لذلك ينهون عنه. أي : عن قراءته واستماعه ، لئلا يدعوهم إلى التدبر فيه ، فيفسد عليهم أغراضهم الفاسدة.
(وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ) أي : يتباعدون عنه بأنفسهم ، إظهارا لغاية نفورهم عنه ، وتأكيدا لنهيهم عنه. فإن اجتناب الناهي عن المنهيّ عنه ، من متممات النهي. ولعل ذلك هو السرّ في تأخير (النأي) عن (النهي) ـ أفاده أبو السعود ـ.
ولما أشعر ذلك بكونهم يبغون الغوائل لرسول الله صلىاللهعليهوسلم وللمؤمنين ، خوفا من قوة تأثير التنزيل في القلوب ، أتبعه بأنه لا يحصل لهم هذا المطلوب ، لأن الله متم نوره ، ومظهر دينه ، وإن الدائرة عليهم بقوله : (وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ) بتعريضها لأشد العذاب عاجلا وآجلا (وَما يَشْعُرُونَ) أي بذلك.
تنبيه :
روى الحاكم وغيره ، عن ثلة من التابعين ، أن هذه الآية نزلت في أبي طالب ، كان ينهى عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم أن يؤذى ، وينأي عنه فلا يؤمن به ، وجمعيته حينئذ ، باعتبار استتباعه لأتباعه.
وروى ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير أنها نزلت في عمومة النبي صلىاللهعليهوسلم ، وكانوا عشرة. فكانوا أشد الناس معه في العلانية ، وأشدهم عليه في السر ، ولا يخفى أن لفظ التنزيل مما يصدق على ما ذكر ولا ينافيه ، وهو المراد بالنزول ـ كما أسلفنا مرارا ـ وقد قال أبو طالب يخاطب النبي صلىاللهعليهوسلم :
والله لن يصلوا إليك بجمعهم |
|
حتى أو سدّ في التراب دفينا |
فاصدع بأمرك ما عليك غضاضة |
|
وابشر بذاك وقرّ عيونا |
ودعوتني وزعمت أنك ناصح |
|
ولقد صدقت وكنت ثم أمينا |
وعرضت دينا لا محالة أنه |
|
من خير أديان البرية دينا |
لو لا الملامة أو حذاري سبة |
|
لوجدتني سمحا بذاك مبينا |
وفي (ينهون) و (ينأون) تجنيس بديع.
ولما أخبر تعالى أنهم يهلكون أنفسهم ، شرح كيفيته مع بيان ما سيصدر عنهم في الآخرة. من القول المناقض لعقدهم الدنيويّ ، بقوله سبحانه :