و (بغتة) مصدر في موضع الحال ، لأي : مباغته ، أو مصدر لمحذوف ، أي تبغتهم. أو للمذكور. فإنّ (جاءتهم) ، بمعنى (بغتتهم).
(قالُوا) يعني : منكري البعث ، وهم كفار قريش ، ومن سلك سبيلهم في الكفر والاعتقاد. (يا حَسْرَتَنا) أي : يا ندامتنا! والحسرة : التلهف على الشيء الفائت. وذكرت على وجه النداء للمبالغة. والمراد : تنبيه المخاطبين على ما وقع بهم من الحسرة. (عَلى ما فَرَّطْنا) أي : قصرنا (فِيها) أي : في الحياة الدنيا. أضمرت وإن لم يجر ذكرها ، للعلم بها ، أي : على ما ضيعنا فيها ، إذ لم نكتسب من الاعتقادات والأخلاق والأعمال ما ينجينا ، أو الضمير للساعة ، أي : على ما فرطنا في شأنها ، ومراعاة حقها ، والاستعداد لها ، وبالإيمان بها ، واكتساب الأعمال الصالحة.
وقال ابن جرير : الضمير يعود إلى الصفقة التي دل عليها قوله (قَدْ خَسِرَ ..) إلخ. إذ الخسران لا يكون إلا في صفقة بيع قد جرت. قال : والمعنى : قد وكس الذين كذبوا بلقاء الله ، ببيعهم الإيمان الذي يستوجبون به من الله رضوانه وجنته ، بالكفر الذي يستوجبون به منه سخطه وعقوبته. ولا يشعرون ما عليهم من الخسران في ذلك. حتى تقوم الساعة. فإذا جاءتهم الساعة بغتة ، فرأوا ما لحقهم من الخسران في بيعهم ، قالوا حينئذ تندما : (يا حَسْرَتَنا عَلى ما فَرَّطْنا فِيها).
وقوله تعالى : (وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى ظُهُورِهِمْ) حال من فاعل (قالُوا) ، فائدته الإيذان بأن عذابهم ليس مقصورا على ما ذكر من الحسرة على ما فات وزال ، بل يقاسون ، مع ذلك ، تحمل الأوزار الثقال. والإيماء إلى أن تلك الحسرة من الشدة ، بحيث لا تزول ولا تنسى بما يكابدونه من فنون العقوبات ـ قاله أبو السعود ـ.
والأوزار : جمع ورز ، وهو في الأصل : الحمل الثقيل ، سمي به الذنب لثقله على صاحبه. قيل : جعلها محمولة على الظهور استعارة تمثيلية ، مثل لزومها لهم ، على وجه لا يفارقهم ، بذلك. وخص الظهر ، لأنه المعهود حمل الأثقال عليه. كما عهد الكسب بالأيدي.
وقيل : هو حقيقة ، لما روي عن السّدي أنه قال : ليس من رجل ظالم يموت فيدخل قبره ، إلا جاءه رجل قبيح الوجه ، أسود اللون ، منتن الريح ، عليه ثياب دنسة ، حتى يدخل معه قبره. فإذا رآه قال له : ما أقبح وجهك! قال : كذلك كان عملك قبيحا. قال : ما أنتن ريحك! قال : كذلك كان عملك منتنا. قال : ما أدنس ثيابك! قال فيقول : إن عملك كان دنسا. قال : من أنت؟ قال : أنا عملك. قال : فيكون معه في قبره. فإذا بعث يوم القيامة قال له : إني كنت أحملك في الدنيا باللذات