بأحكام عقلية يتفق العقلاء عليها ، ويتحد قبولهم لها. بل كل فريق يدعي على العقل ما يطابق هواه ، ويوافق ما يذهب إليه هو ومن تابعه ، فتتناقض عقولهم على حسب ما تناقضت مذاهبهم. يعرف هذا كل منصف. ومن أنكره فليصفّ فهمه وعقله عن شوائب التعصب والتمذهب ، فإنه إن فعل ذلك أسفر الصبح لعينيه. وقد ورد ذكر الوزن والميزان في مواضع من القرآن كقوله : (وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً) [الأنبياء : ٤٧]. وقوله : (فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خالِدُونَ) [المؤمنون : ١٠٢ ـ ١٠٣]. وقوله (إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ) [النساء : ٤٠] وقوله : (وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ) [القارعة : ٨ ـ ٩].
والأحاديث في هذا الباب كثيرة جدّا مذكورة في كتب السنة المطهرة. وما في الكتاب والسنة يغني عن غيرهما. فلا يلتفت إلى تأويل أحد أو تحريفه ، مع قوله تعالى وقول رسوله الصادق المصدوق ، والصباح يغني عن المصباح ـ انتهى.
وخلاصته ، أن الأصل في الإطلاق الحقيقة ، ولا يعدل عنها إلى المجاز إلا إذا تعذرت ، ولا تعذر هاهنا.
الثالث : إن قلت : أليس الله عزوجل يعلم مقادير أعمال العباد؟ فما الحكمة في وزنها؟ قلت : فيه حكم :
منها ـ إظهار العدل ، وإن الله عزوجل لا يظلم عباده.
ومنها ـ امتحان الخلق بالإيمان بذلك في الدنيا وإقامة الحجة عليهم في العقبى.
ومنها ـ تعريف العباد ما لهم من خير وشر وحسنة وسيئة.
ومنها ـ إظهار علامة السعادة والشقاوة.
ونظيره ، أنه تعالى أثبت أعمال العباد في اللوح المحفوظ ثم في صحائف الحفظة الموكلين ببني آدم ، من غير جواز النسيان عليه سبحانه وتعالى. كذا في (اللباب).
وقال أبو السعود : إن قيل : إن المكلف يوم القيامة إما مؤمن بأنه تعالى حكيم منزه عن الجور ، فيكفيه حكمه تعالى بكيفات الأعمال وكمياتها. وإما منكر له فلا يسلم حينئذ أن رجحان بعض الأعمال على بعض لخصوصيات راجعة إلى ذوات