(لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنا) وعقوبتهم بمقابلته. والموصول مبتدأ ، وخبره جملة (كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا) أي استؤصلوا بالمرة ، وصاروا كأنهم ، لما أصابتهم النقمة ، لم يقيموا بديارهم ، التي أرادوا إجلاء الرسول وصحبه منها.
ثم قال تعالى مقابلا لقيلهم السابق : (الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كانُوا هُمُ الْخاسِرِينَ) دينا ودنيا ، لا الذين صدقوه واتبعوه كما زعموا.
قال ابن السعود : استئناف آخر لبيان ابتلائهم بعقوبة قولهم الأخير. وإعادة الموصول والصلة كما هي ، لزيادة التقرير ، والإيذان بأن ما ذكر في حيّز الصلة ، هو الذي استوجب العقوبتين. أي الذين كذبوه عليهالسلام ، عوقبوا بمقالتهم الأخيرة ، فصاروا هم الخاسرين ، لا المتبعون له ، وبهذا القصر اكتفى عن التصريح بإنجائه عليه الصلاة والسلام ، كما وقع في سورة هود من قوله تعالى : (وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا شُعَيْباً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ).
وقال الزمخشري : في هذا الاستئناف والابتداء ، وهذا التكرير ، مبالغة في ردّ مقالة الملأ لأشياعهم ، وتسفيه لرأيهم ، واستهزاء بنصحهم لقومهم ، واستعظام لما جرى عليهم.
وفي (العناية) : أن من عادة العرب الاستئناف من غير عطف ، في الذّم والتوبيخ. فيقولون : أخوك الذي نهب مالنا ، أخوك الذي هتك سترنا. ـ انتهى ـ.
وقوله تعالى :
القول في تأويل قوله تعالى :
(فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسى عَلى قَوْمٍ كافِرِينَ) (٩٣)
(فَتَوَلَّى عَنْهُمْ) أي : أعرض عن شفاعتهم والحزن عليهم (وَقالَ) أي : في الاعتذار (يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي) أي بالأمر والنهي (وَنَصَحْتُ لَكُمْ) أي : حذرتكم من عذاب الله ، ودعوتكم إلى التوبة والإيمان بما يفيد ربح الدارين ، ويمنعكم خسرانهما ، لكنكم كفرتم (فَكَيْفَ آسى) أي : أحزن حزنا شديدا (عَلى قَوْمٍ كافِرِينَ) أي بالله إن هلكوا ، فضلا عن أن أشتغل بشفاعتهم. يعني أنه لا يأسى عليهم ، لأنهم ليسوا أحقاء بالأسى.