كالشدة والمرض ـ السعة والصحة (حَتَّى عَفَوْا) أي كثروا ونموا في أنفسهم وأموالهم. من قولهم : عفا النبات ، وعفا الشحم والوبر ، إذا كثرت. ومنه قوله صلىاللهعليهوسلم (١)(وأعفوا اللحى) (وَقالُوا قَدْ مَسَّ آباءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ) يعني وأبطرتهم النعمة وأشروا ، فقالوا كفرانا لها : هذه عادة الدهر. يعاقب في الناس بين الضراء والسراء ، وقد مس آباءنا نحو ذلك فصبروا على دينهم ، فنحن مثلهم ، نقتدي بهم ، وما هو بابتلاء من الله لعباده ، تصديقا لوعد الرسل ، فازدادوا كفرا بعد الإعلام القوليّ والفعليّ. والمعنى : أن الله تعالى ابتلاهم بالسيئة لينيبوا إليه ، فما فعلوا. ثم بالحسنة ليشكروا ، فما فعلوا. وإذا لم ينجع فيهم هذا ولا ذاك ، فلم يبق إلا أن يأخذهم بالعذاب ، وقد فعل. كما قال سبحانه (فَأَخَذْناهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) أي فأخذناهم أشد الأخذ وأفظعه ، وهو أخذهم فجأة ، من غير شعور منهم ، ولا خطور شيء من المكاره ببالهم ، كقوله تعالى : (حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا ...) [الأنعام : ٤٤] الآية ـ وفي الحديث (٢) «موت الفجأة راحة للمؤمن وأخذة أسف للفاجر» رواه الإمام أحمد والبيهقي عن عائشة. مرفوعا.
تنبيه :
اعتقاد أن مناوبة الضراء والسراء عادة الدهر ، من غير أن يكون هناك داعية تؤدي إليها ، ولا حكمة فيهما ، هو من اعتقاد الكافرين.
قال ابن كثير : المؤمن من يتفطن لما ابتلاه الله به من الضراء والسراء ، فيشكر الله على السراء ، ويصبر على الضراء. ولهذا جاء في الحديث : «لا يزال البلاء بالمؤمن حتى يخرج نقيّا من ذنوبه. والمنافق مثله كمثل الحمار لا يدري فيم ربطه أهله ، ولا فيما أرسلوه» ـ أو كما قال ـ.
وفي الصحيحين (٣) : «عجبا لأمر المؤمن. إن أمره كله خير. وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن. إن أصابته سراء يشكر ، فكان خيرا له. وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له».
__________________
(١) أخرجه مسلم في : الطهارة ، حديث رقم ٥٢.
والبخاري في : اللباس ، ٦٥ ـ باب إعفاء اللحى ، حديث رمق ٢٢٩٢.
(٢) أخرجه الإمام أحمد في المسند ص ١٣٦ ج ٦.
(٣) أخرجه مسلم في : الزهد والرقائق ، حديث ٦٤.
ولم يخرجه البخاري.