تعالى ، لأن العبادة نهاية التعظيم ، فلا تليق إلا بمن يصدر منه غاية الإنعام ، وهي بخلق الجسم والحياة والشهوة والقدرة والعقل وخلق الأشياء المنتفع بها. والقادر على هذه الأشياء ليس إلا الله تعالى ، فوجب أن لا تليق العبادة إلا به. انتهى.
وعن أبي واقد الليثي رضي الله عنه : أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم لما خرج إلى غزوة حنين مرّ بشجرة للمشركين كانوا يعلّقون عليها أسلحتهم يقال لها (ذات أنواط) فقالوا : يا رسول الله! اجعل لنا ذات أنواط ، كما لهم ذات أنواط. فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : سبحان الله! هذا كما قال قوم موسى (اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ) والذي نفسي بيده! لتركبنّ سنن من كان قبلكم ـ أخرجه الإمام أحمد (١) والترمذيّ (٢) وابن جرير وغيرهم ـ.
وقال الإمام أبو بكر الطرطوشي المالكي : انظروا رحمكم الله أينما وجدتم سدرة أو شجرة يقصدها الناس ، ويعظمونها ، ويرجون البرء والشفاء من قبلها ، ويضربون بها المسامير والخرق ، فهي ذات أنواط ، فاقطعوها.
وقال الحافظ أبو شامة الشافعي الدمشقي في كتاب (البدع والحوادث) : وقد عم الابتلاء بتزيين الشيطان للعامة تخليق الحيطان والعمد ، فيفعلون ذلك ويحافظون عليه ، مع تضييعهم فرائض الله وسننه ، ويظنون أنهم متقربون بذلك ، ثم يتجاوزون هذا إلى أن يعظم وقع تلك الأماكن في قلوبهم ، فيعظّمونها ، ويرجون الشفاء لمرضاهم ، وقضاء حوائجهم ، بالنذر لها ، وهي من بين عيون وشجر وحائط وحجر. ثم شرح شجرة مخصوصة فقال : ما أشبهها بذات أنواط ، التي في الحديث.
وروى ابن وضاح في كتابه قال : سمعت عيسى بن يونس يقول : أمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه بقطع الشجرة التي بويع تحتها النبي صلىاللهعليهوسلم فقطعت ، لأن الناس كانوا يذهبون فيصلون تحتها ، فخاف عليهم الفتنة. ولهذا البحث تتمة مهمة في (إغاثة اللهفان) لابن القيّم. فلتنظر.
القول في تأويل قوله تعالى :
(قالَ أَغَيْرَ اللهِ أَبْغِيكُمْ إِلهاً وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ) (١٤٠)
(قالَ) أي موسى ، مذكّرا لقومه نعمه تعالى عليهم ، الموجبة لتخصيصه
__________________
(١) أخرجه في المسند ٥ / ٢١٨.
(٢) أخرجه الترمذي في : الفتن ، ١٨ ـ باب ما جاء لتركبن سنن من كان قبلكم.